مواقف .. أنيس منصور

لم أر د‏.‏ محمد حافظ مع الأسف‏,‏ ولكني استمعت إليه في برنامج المرحوم طاهر أبو زيد‏..‏ وهو يبدي أسفه علي ما أصاب اللغة العربية في أيدينا وبأيدينا وعلي ألسنتنا‏.‏

بصراحة لا أحد يتكلم العربية الفصحي من الرسميين إلا صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري وفتحي سرور رئيس مجلس الشعب‏...‏ وبس‏.‏
أما الذين لا يتكلمونها فكثيرون جدا‏..‏ ويرونها لغة أجنبية‏..‏ وقد جاء حين من الدهر‏..‏ كنا نقرأ في إعلانات الزواج أن الفتاة تخرجت في كلية أو معهد كذا وتحب اللغة العربية‏..‏ تصور‏!‏
أما الأخطاء في الصحف كل يوم فكثيرة جدا‏..‏ والسبب‏:‏ الجهل أو الاستخفاف‏..‏ أما إعلانات المسلسلات والأفلام‏..‏ هكذا‏:‏ شركة كذا وشركة كذا يقدما‏(‏ يقصد يقدمان‏)..‏ وتتكرر هذه الفضيحة يوميا‏,‏ ولا أحد يجرؤ أن يلفت نظر المعلن لأنه بفلوسه يفعل ما يشاء‏.‏
والذين يحافظون علي العربية الفصحي تجدهم في برنامج الإذاعة الثقافية‏,‏ ولكن المذيع يتكلم بالفصحي‏..‏ أما الضيف فيتكلم العامية‏,‏ وفي البرنامج الثقافي في التليفزيون حرص شديد علي أن يتكلم المذيع اللغة العربية الفصحي‏,‏ ولكن الضيف لا‏..‏ ومعني ذلك حرص الضيوف علي العامية‏.‏
وأما الهدف من أن يحرص المذيع علي الفصحي فلأنه مثل عارضات الأزياء ينشر الجمال ويدعو إلي تقليده‏.‏
المصيبة ان الذين يستضيفهم التليفزيون من الشبان لا يعرفون كيف يتكلمون العامية‏!‏
واحد فقط في الإذاعة والتليفزيون يتكلم الفصحي ويصر عليها إصراره علي البدلة والكرافتة‏..‏ إنه عاصم بكري‏..‏ رأيته يتكلم الفصحي في برنامج رياضي‏.‏
وأنتم تعرفون لغة الرياضيين‏..‏ وظهر غريبا يتكلم لغة لا يعرفها أحد سواه؟‏!‏

ما الذي يعمله المواطن إذا أحيل الي المعاش؟‏!‏ انه يذهب الي المقاهي يدخن ويشرب الشاي ويلعب الطاولة والكوتشينة‏.‏ وبس‏!‏

ولقد رأيت في حدائق سويسرا رجالا وسيدات يربطون أذرعهم ورءوسهم‏.‏ إنهم يعملون لحساب احدي شركات الأدوية‏,‏ وهذه الشركات تجرب فيهم الأدوية لقاء مبلغ من المال‏,‏ ووجدت رجالا يرعون الأطفال أو يرعون الكلاب‏,‏ أي انهم بعد المعاش لابد ان يعملوا‏,‏ فلاتزال فيهم قوة ورغبة في الحياة‏.‏
وفي الصين لا يعرفون الاحالة الي المعاش فهم يعطون حتي الموت‏..‏ الشباب لهم عمل والشيوخ لهم عمل والأحرار يعطون والسجناء يعطون‏,‏ لا أحد يتفرج علي أحد‏.‏
وقد لاحظ علماء في جامعة أوريجون الأمريكية في دراستهم للنمل قاطع الأوراق‏,‏ أن الشباب من النمل هو الذي يقطع الأوراق لأن أسنانه حادة‏..‏ ولأنه شاب قوي‏,‏ فإذا تقدمت به السن فلابد ان يعمل‏..‏ وعمله في هذه الحالة حمل أوراق الشجر الي داخل مستعمرة النمل‏,‏ فإذا عجز تماما عن العمل فإنه يبتعد عن خلية النمل‏,‏ ثم يأتي ببعض الأوراق وينام تحتها حتي الموت‏!‏
وقد لاحظ العلماء الأمريكان أن أسنان الشباب من النمل أقوي‏260‏ مرة من أسنان العواجيز‏,‏ فقد استخدم العلماء الأمريكان ميكروسكوبات متطورة جدا لقياس أسنان النمل الشاب والنمل العجوز‏,‏ ولاحظوا أن كل شيء يتم في نظام‏,‏ وفي عالم الحيوان أيضا نجد الحيوان إذا تقدمت به السن انزوي بعيدا عن أوكار وأعشاش قبيلته ينتظر الموت أو الحيوانات المفترسة‏.‏
أما المقاهي والبارات والأندية فهي صناعة انسانية واختيار للموت قبل الأوان‏.‏

مواقف
بقلم: أنيس منصور


تلقيت من الاستاذ سعيد مغاوري‏,‏ أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية وعميد كلية السياحة بجامعة المنوفية‏,‏ تعليقا علي ما كتبت عن المنديل القماش الذي لم أجد أحدا يعرفه في مدينتي الرياض وباريس‏:‏

ان صناعة مناديل القماش صناعة مصرية عمرها ألف سنة أي أيام الأمويين والعباسيين والفاطميين‏,‏ وكانت مناديل حريرية وقطنية وكتانية واشتهرت بها مدن بهنسا وأخميم والفسطاط وشطا ودقهعاوه‏(‏ ؟‏)‏ والإسكندرية‏,‏ والمناديل أشكال وأطوال‏:‏ مناديل للوجه‏,‏ منديل بهنسي طويل ومناديل الرأس ومنديل البدلة‏,‏ ومنديل بؤيه‏.‏
وقد غزت المناديل الدنيا‏..‏
ويري بعض المستشرقين أن المنديل كلمة ليست عربية إنما هي مأخوذة من كلمتين لاتينيتين هما‏:‏ مانوس‏ ‏ تيلا‏,‏ الأولي معناها اليد والثانية معناها القماش‏,‏ أي قماش اليد‏.‏
وتلقيت من أ‏.‏د فاطمة عفيفي من روما رسالة تقول فيها إنها وجدت المنديل في جزيرة صقلية عندما احتلها العرب وأقاموا فيها حضارة نموذجية‏.‏
ومن د‏.‏ يوسف عماد الدين من كندا‏:‏ أنه لاحظ أن زوجته هي التي تصنع المناديل في البيت‏,‏ وعندها اصرار علي ان تستخدم المنديل القماش وليس المنديل الورقي‏.‏
ولما جاءت الأميرة البريطانية مارجريت وذهبت الي الأوبرا المصرية ومعها شرابها وطعامها احتاجت الي منديل‏,‏ فأتوا لها ببعض المناديل الحريرية من عدد من السيدات ورفضت الأميرة استخدام هذه المناديل‏,‏ رغم حاجتها الشديدة اليها‏,‏ لماذا؟ ارادت مناديل من ورق في دارالأوبرا عند منتصف الليل‏!‏
لقد كانت رحلة المنديل المصري طويلة وعريضة ويبدو أنها أخذت في الانحسار بعد ألف سنة‏!‏

القراء المشاهدون يحاولون الاتصال بأصحاب الميكروفونات والأقلام لكنهم لا يردون‏..‏ فيقولون إنهم كبروا فتكبروا وتجبروا‏..‏ والحقيقة أنهم لا كبروا ولا تجبروا‏..‏ وإنما هم مشغولون‏..‏

وأنهم غير قادرين علي أن يردوا‏..‏ وإن ردوا لا يجدون حلا عندهم أو عند المسئولين الذين هم مشغولون أيضا بقضايا أخطر‏..‏ تصور عامل تليفون وأمامه لوحة لمائة خط وكلها تريده في وقت واحد أن يرد عليها‏..‏ فإن لم يفعل ذهبوا إلي الشكوي منه والمطالبة بتغييره دون مراعاة لمشكلاته هو أيضا‏.‏
ويذهب المشاهدون والقراء إلي لعن الطرف الآخر وتهديده بالقتل‏..‏ والله العظيم حدث كثيرا‏!‏
فإذا استطاع صاحب البرنامج أو صاحب المقال أن يعد بالاتصال بمسئول‏..‏ فإن استطاع المسئول أن يستجيب مرة‏..‏ فلن يستطيع مرات أخري‏.‏
مثلا واحد يشكو من انقطاع المياه أو انعدامها‏..‏ وهذه شكوي تستحق الالتفات إليها‏..‏ وبعد أيام يجيء الماء قليلا متقطعا فتتجدد الشكوي ثم تنحل مشكلة المياه‏..‏ وليست كل المشكلات بهذه السهولة‏..‏ والمطلوب قليل من الصبر‏..‏ كما أن صاحب الميكروفون وصاحب القلم عنده مشكلات وقضايا وهموم‏..‏ وأنه ليس حاكم‏,‏ ولا في يده سلطة‏..‏ ومن واجبه أن يعرض وأن يساعد السلطة في حل مشكلات الجماهير‏.‏
أذكر أن جاءني أحد المواطنين له شكوي‏..‏ وطالبته بالصبر لكنه ضاق بالصبر فقال لي‏:‏ أنا تعبت في الدعاية لك في دائرة المنصورة وذهبت ليلا إلي فلان ونهارا إلي علان لكي يختاروك لمجلس الشوري‏..‏ وكان ردي‏:‏ إنني في مجلس الشوري بالتعيين وليس بالانتخاب‏.‏
ولم يصدقني‏!‏ فضمني إلي لواء المتكبرين المتجبرين‏!‏

21/1/2011
*‏ زهقت لدرجة انني اتمني لو كنت شخصا آخر‏!‏ ‏*‏ لاتقل هناك نوعان من البشر‏:‏ اشرار وأخيار وانما قل‏:‏ أعزب جذاب وزوج ممل‏!‏ ‏*‏ المرأة تري الرجل غلطان حتي لو كان يتحدث إلي نفسه في الصحراء‏!‏

‏*‏ السبب الحقيقي في انهم ينقذون المرأة والطفل أولا‏:‏ أنهم يجربون قوارب النجاة‏!‏
‏*‏ المرأة تريد المال والجمال والزوج والاولاد والمرسيدس فهل هذا كثير علي امرأة تافهة؟‏!‏
‏*‏ المرأة تختار ألوان الكتب التي تتفق مع لون الحائط‏!‏
‏*‏ أحتفظ دائما برقم تليفون النجدة والمأذون‏!‏
‏*‏ انه رجل سعيد ففي حياته كثيرات ليس من بينهن زوجته‏!‏
‏*‏ تريد السعادة في دنيا الارهاب وتعاطي الهباب‏..‏ والمرأة؟‏!‏
‏*‏ قسمة عادلة‏:‏ الورد ولونه وعطره للمرأة‏..‏ أما شوكه فللرجل دائما‏!‏
‏*‏ الحياة أجمل مع من تحب ـ كلام في قصائد الشعراء‏!‏
‏*‏ في عالم الحب‏..‏ المرأة تحتاج الي سبب والرجل يحتاج إلي مكان‏!‏
‏*‏ قبلات النساء بعضهن لبعض تشبه مصافحة المصارعين قبل المباراة‏!‏
‏*‏ الحب‏:‏ جنون مؤقت علاجه الزواج‏..‏ الزواج جنون مؤقت علاجه الزواج مرة أخري‏!‏
‏*‏ الكراهية ليست ضد الحب وانما الاهمال‏!‏
‏*‏ الزواج هو الخطوة الاولي نحو الطلاق‏!‏
‏*‏ الزواج من اجل الجنس كمن اشتري فندقا لكي يتناول فيه الافطار مجانا‏!‏
‏*‏ لاتتزوج قبل ان تقوم بتشريح جثة امرأة اخري‏!‏
‏*‏ الانسان يموت مرة واحدة‏..‏ والمتزوج يموت عدة مرات‏!‏

22/1/2011
‏1‏ـ الانتحار ظاهرة عالمية‏,‏ وعدد الذين ينتحرون سنويا مليون نسمة‏..‏ لأسباب شخصية أو اجتماعية أو طبقية أو دينية أو عسكرية أو هو الانتحار الرحيم‏..‏ كما أن هناك انتحارا بين انواع الحشرات وكذلك بعض الحيوانات مثل الكلاب والخيول والدولفين‏..‏

وقد نشرت مؤسسة الصحة العالمية بيانا بعدد مائة واثنتي دولة‏,‏ فجاء ترتيبها هكذا‏:‏ أعلي نسبة انتحار في العالم في دولة روسيا البيضاء‏.‏
وروسيا الاتحادية السادسة‏,‏ وسويسرا رقم‏17وفرنسا رقم‏18,‏ والسويد رقم‏28 والصين‏,‏ رقم‏65,‏ والمملكة المتحدة رقم‏66,‏ وإسرائيل رقم‏69‏ وتركيا‏08‏ والبحرين‏83‏ والكويت‏90 والاردن‏92وايران‏99‏ وسوريا‏101‏ ومصر‏.102وبسبب ضعف المحصول في الهند انتحر في العام الماضي‏27 الف نسمة‏..‏
والانسان ينتحر بأن يلقي نفسه في الماء او باحراق نفسه أو اطلاق الرصاص عليه أو بتعاطي جرعات كبيرة من مواد منومة‏,‏ أو بالانتحار الرحيم باطلاق النار عليه يأسا من شفائه‏..‏
أو لاسباب طبقية‏,‏ ففي اليابان عندما يفشل الامير أو النبيل يقتل نفسه‏,‏ والخدم يفعلون نفس الشيء حزنا علي ما اصاب سيدهم من فضيحة‏,‏ وعندما يفشل الوزير أو الرئيس في العمل فانه يقتل نفسه‏,‏ وهذا النوع من الانتحار يسمونه هيراكري ـ اي يفتح الكرش علي ان يقوم احد اصدقائه أو اقربائه بالاجهاز عليه بقطع رقبته‏.‏
وفي الحروب كان الجندي الياباني يجلس إلي جوار اللغم حتي إذا مرت سيارة او دبابة العدو او جنوده فانه يشعل اللغم ويموت معه‏..‏ وكان اليابانيون او الكيماكزه يركبون الطوربيد ويوجهونه نحو الهدف ويموتون معه‏.‏
ولكن لماذا؟‏!‏

23/1/2011
2-هناك مسميات كثيرة للانتحار‏,‏ أي الإيذاء النفسي‏.‏ مثلا‏:‏ الانتحار الرحيم وهو عندما يشعر المريض بأن مرضه لا علاج له فإنه يطب إلي أحد أقاربه أن يطلق عليه الرصاص أو أن الطبيب يعطيه جرعة كبيرة من منوم‏,‏ وبذلك يخلصه من آلامه بالقضاء عليه‏.‏

وهناك الانتحار الإجرامي‏..‏ وذلك عندما يقتل المنتحر عددا من الناس ثم يطلق الرصاص علي نفسه‏,‏ فهو قد قتل قبل أن ينتحر أي أنه مجرم أولا ومنتحر ثانيا‏.‏
وهناك الهجوم الانتحاري‏,‏ ففي اليابان وفي الحرب العالمية الثانية كانوا يستخدمون الكيماكزه‏,‏ أي الانتحاريين الذين يركبون الطوربيد ويتجهون به نحو الهدف ويصيبون سفينة العدو ثم يموتون‏..‏ أو يجلس بالقرب من أحد الألغام إلي أن تمر مركبة أو دبابة للعدو فينتزع فتيل اللغم وينفجر ويموت معه‏..‏
وهناك الانتحار العسكري بأن ينتحر الجندي أو الضابط حتي لا يقع أسيرا في أيدي العدو‏..‏ فهتلر قد انتحر وعشيقته حتي لا يلقي الروس القبض عليه‏..‏
ثم إن هتلر قد أرغم الماريشال روميل علي الانتحار بدلا من محاكمته وبهدلته أمام جنوده‏,‏ والسبب هو أنه قد عرف موعد المؤامرة علي هتلر‏,‏ ولم يبلغ عنه فكأنه قد شارك في المؤامرة‏.‏
وكذلك الإمبراطور الروماني نيرون الذي أحرق روما‏,‏ وثارت عليه المدينة وانتحر حتي لايقع في أيدي الثوار‏..‏ وفي محاكمات نورنبرج ابتلع الماريشال جورنج السم حتي يهرب من فضيحة المحاكمة‏,‏ فقد زارته زوجته وعندما قبلته دفعت انبوبة السم في فمه‏!‏
ثم الانتحار الرومانسي‏,‏ فقد شهدت أوروبا بعد صدور رواية‏(‏ آلام الفتي فرتر‏)‏ للشاعر الألماني جيته ان انتشار ظاهرة الانتحار حبا وعذابا وألما‏!‏

24/1/2011
3-وعندي تجربتي الشخصية‏,‏ فقد حاولت الانتحار صغيرا‏,‏ ظهرت نتيجة الثانوية العامة وجاء ترتيبي الأول‏,‏ وظهرت نتيجة مسابقة الفلسفة فكان ترتيبي الأول‏,‏ ولكن هناك سبب بعيد وسبب قريب‏.‏

أما السبب البعيد فهو أنني تعبان ومعذب‏,‏ ولا أري ماذا أفعل‏,‏ وفي هذه السن لا أستطيع‏,‏ أبي مريض‏..‏ وأمي أيضا‏.‏ وأنا لا أنام الليل أري آهة من اليمين‏:‏ أمي علي سريرها وآهة من اليسار‏:‏ أبي علي سريره‏,‏ وأنا حائر أقدم الأدوية أقراصا وحقنا‏.‏
وإذا جاء الليل فبدلا من أن أنام في فراشي فإنني أنام بين السريرين علي مقربة من دورة المياه‏.‏
وفي الطريق الي كوبري طلخا بالمنصورة لم أفكر في أي شيء ولا رأيت ولا سمعت أي شيء‏,‏ وانما انطلقت كقذيفة لمجهول‏..‏ أو أطلقني مجهول‏..‏ هل راجعت نفسي؟ لم أراجع نفسي‏.‏ ولا كان عندي عقل ولا قلب‏,‏ وإنما أنا شيء متحرك‏,‏ لا فكرت فيما سوف يحدث لأبي وأمي‏,‏ وأنا أكاد أموت من أجلهما وأحمل عذابهما مضافا إلي ضيقي وقرفي‏.‏
اتجهت الي منتصف الكوبري‏,‏ الفكرة الثانية التي خطرت لي ان الماء بارد‏,‏ وما أهمية ان يكون باردا أو دافئا وانا سأموت بعد لحظات‏.‏
أما السبب القريب فإن احدا لم يقل لي مبروك علي هذا التفوق‏..‏ فقررت ان ألقي بنفسي في النيل‏.‏ وفي الطريق من البيت الي كوبري طلخا بالمنصورة لم أفكر في أي شيء ولم أر ولم أسمع أي صوت وعند منتصف الكوبري هممت بأن أقفز إلي النيل عندما أمسكت ممرضة أمي يدي وهي تقول‏:‏ وازاي ماما النهاردة؟‏..‏ وعدنا معا إلي البيت‏!‏

‏ـ من المؤكد أن الاطفال في التاسعة يتسللون الي
القنوات التي تنشر صور الجنس في كل المراحل‏,‏ ربما كان ذلك مفيدا‏,‏ ولكن
ضررها بليغ‏.‏ وهذا الضرر يصيب الاطفال في غياب الأبوين‏.

كأنني أدور حول مكان
الجريمة‏..‏ فالذنب عميق‏..‏ وفي نفس الوقت كأنني أريد ان يراني أحد ويلقي
القبض علي‏..‏ فقد استدرجت بعض الاصدقاء الي ينبوع الذكريات الحزينة‏..‏
الي بقعة سامة حائرة في عروقي‏..‏ فقد ذهبت أخيرا الي بيتنا‏





الي شارعنا في مدينة المنصورة.. أبحث عن ماذا.. لا اعرف ولكني ذهبت لأري بقايا كل شيء.
كانت ذكرياتي مثل كلاب بوليسية تطارد ماتشمه في اماكن كثيرة.. كانت مثل
صقور الصيد تطير وتنقض ثم لاتعود.. كانت ذكرياتي مثل اصابع رجال الجمارك
تفتش كل ما تلمسه..كانت مثل كاسحات الالغام.. أما الشارع الذي كنت أراه
واسعا فقد ضاق واختنق أما البيت فقد زال, وقامت عليه عمارة جديدة أنيقة.
وفي داخلي اعتذرت للشارع الذي لايزال والبيت الذي كان, ولم أحاول ان أبحث
عن البقال والجزار والصيدلية التي كنت أنام علي بابها حتي تفتح في الصباح
فأكون أول من يشتري الأدوية لأمي ثم أذهب الي المدرسة.
ومررت بالمسجد وشعرت بالخجل فقد كنت معجبا بالخطيب وأتابعه وأكتب بعض
عباراته الجميلة فاذا انتهت الخطبة خرجت دون صلاة فقد كنت طفلا لا أعرف
الفرق بين الذي ينفع في الدنيا وهو قليل وبين الذي ينفع في الاخرة وهو
كثير.
ولم أسترح الي أنني حكمت ببراءة الشارع والبيت فقد ازددت هما وغما لأنني
سوف أستأنف الحكم في هذه القضية طالبا تعويضا مستحيلا: البيت, والشارع,
والطفولة, واحراق ألوف الصفحات التي كتبتها عن الوجودية والقلق والعذاب
والغربة وحياتي الغجرية!
ولعنت كثيرين ولم أرفع صوتي فاللهم إني صائم!