تشارلز ديكنز Charles Dickens
صفحة 1 من اصل 1
تشارلز ديكنز Charles Dickens
تشارلز ديكنز Charles Dickens
(1812-1870)
السيرة الذاتيه:
كاتب وروائي بريطاني، ولد في 7 فبراير سنة 1812 بدأ عمله المهني كمراسل صحفي في البرلمان، وكان يعتبر افضل كاتب للتقاريرالصحفية في زمنه،وكان ذلك يرتبط بمصادر معلوماته وحيويته في التقاط الاخبار، وقدرته على اختيار القصص التي تجتذب قراء الصحافة.
بدأت شهرته الأدبية بنشر انطباعاتهعن لندن في مجلات دورية، ثم نشر رواياته الطويلة "أوليفر تويست" سنة 1838، و"دافيد كوبر فيلد" سنة1850 و "أوراق بيكويك" سنة 1836، و "قصة مدينتين" سنة 1859، و"أوقات عصيبة" سنة 1870 وله أيضا الكثير من القصص القصيرة.
تميزت رواياته وقصصه بوصفهاالرقيق للشخصيات، وبعرضها الثري للحياة الاجتماعية في مختلف صورها، وبما فيها من نزعة عاطفية، وانتقاد للشرور الاجتماعية، مثل السجن من أجل الديون، ومماطلات القضاء، وسوء التعليم، وقد عجلت كتابات ديكنز بالإصلاح في ميادين كثيرة.
في عام 1850اصدر ديكنز مجلة (كلمات عائلية) التي حققت نجاحاً استثنائياً، وكانت وسيلة لتواصله المباشر مع قرائه من خلال كتاباته الصحفية الاسبوعية, كما كان ديكنز يلقي الخطابات في المآدب من اجل القضايا الخيرية، كما قام بزيارة فرنسا واميركا وايطاليا، وانجب تسعة من الاطفال، وبحلول نهاية هذه الفترة وصلت شهرته ذروتها، رغم ان بعضاً من اعظم ابداعاته الروائية جاءت في فترة لاحقة.
كتب ديكنز اربع عشرةرواية من الحجم الكبير فمعظمها يزيد على ستمائة صفحة لكل واحدة منها.
توفيديكنز في يونيو عام 1870م، وهو في عمر الثامنة والخمسين، مصاباً بارهاق شديد جراء جولة قراءة محمومة قام بها في اميركا الشمالية، وكان في غمرة كتابة روايته البوليسية (سير ادوين درود) وتوفى قبل ان يكملها, وترك لنا ارثاً هائلاً عظيماً من الابداعات، الروائية خصوصاً
تشارلز ديكنز
تصوير أعماق المدن والبشر
منذ سنوات تتواصل اعادة تحرير واصدار رسائل الروائي الانجليزي الشهير تشارلز ديكنز ويومياته الصحفية فقد صدر، مؤخراً، الجزء الثالث من يومياته التي حررها مايكل سلاتر، كما صدر الجزء العاشر من رسائله التي حررها غراهام ستوري وآخرون, وفي الموضوعات التي يعالجها الجزء الثالث من يومياته نجد نفس الطاقة التي بعثت الحياة في رواياته الرئيسية في تلك السنوات 1851-1859 ، وهي دوريت الصغيرة ، و المنزل الكئيب : الغضب تجاه الرياء واللامبالاة ببؤس الثقافة السياسية في العصر الفكتوري الوسيط، وهو ما سماه تشيسترتون الخنوع المعلن والدبلوماسية القذرة , ويتجسد رد فعل ديكنز المميز على ذلك في السخرية المشبعة بالحنق، حيث ينقب في مخيلته ليجلد التملق والنفاق المحيط به, وهذا هو الصوت السائد في هذا الجزء من اليوميات, غير ان هناك، الى جانبه، اصواتاً من حياة ديكنز البارعة المزاج والواسعة الخيال، حيث التذكر التفصيلي الرائع لتجربة الطفولة، والعزم على التعبير عن معاناة الفقراء والمهمشين, ويحتوي هذا الجزء من اليوميات، ايضاً، على ذكريات ديكنز الشخصية الاكثر كشفاً، ودفاعه العلني عن فنه، وتقديمه العون الهائل للقراء على معرفة دوافع وظروف كتابة عدد من روايات ديكنز وقصصه والشخصيات التي ظهرت فيها.
ومن المعروف ان ديكنز الذي ولد عام 1812، وبدأ عمله المهني كمراسل صحفي في البرلمان، كان يعتبر افضل كاتب للتقارير الصحفية في زمنه، ويتضح هذا في الجزء السابق، الثاني، من يومياته التي حررها مايكل سلاتر ايضاً, وربما كان تقدير النقاد لتميز ديكنز كصحفي يرتبط بمصادر معلوماته وحيويته في التقاط الاخبار، وقدرته على اختيار القصص التي تجتذب قراء الصحافة, ومن الطبيعي ان تساهم سمعته ككاتب وروائي في حماس الصحافة لنشر ما يحرره ويكتبه، وحماس القراء في متابعة ما ينشر له.
فعندما يقوم ديكنز بكتابة تحقيق تفصيلي عن ظاهرة او مؤسسة ما، تظهر طاقاته الاستثنائية في المعاينة والوصف نفسها على افضل نحو، ولا تتوقف عند حدود كتابة تقرير صحفي عن حدث مستقل, والمقالات الموجودة في الجزء الثاني من يوميات ديكنز، والتي تشمل الفترة من 1834-1851 حول مواضيع مختلفة بينها السجون، واجراءات البوليس السري، واصلاحيات الاحداث، وحضانات الاطفال، وكتاب عرائض الاسترحام، مقالات تتميز بالفعالية، والاعتدال، والحجة المقنعة، وتهتم بالمشاكل الاجتماعية التي يأمل من خلال معالجتها التأثير على الرأي العام.
ولم يكن ديكنز، كما اشير غالباً، يتمتع بموقف سياسي ثابت، بل بحماسات وكراهيات اكثر مما بآراء راسخة, وتتجلى اهتماماته الرئيسية التي مازال كثير منها يتسم بأهمية في التعليم، واللهو البريء، والسكن، وصحة الفقراء، ورعاية الاطفال، واصلاح السجون، وهو ما نجده في مقالات هذه المجموعة من اليوميات, وفي بعض الاحيان يبدو القارىء وهو يسمع تنافراً في نغمات الاصوات، عندما يربط مثلاً، في احدى مقالاته الصحفية الهامة، بين التقدم الاجتماعي ونجاحات التجارة والاستثمار الحر لرأس المال, ومما يثير المفارقة انه وصف باعتباره راديكالياً محافظاً ، اذ لم يكن هناك اطار سياسي يستوعب آراءه الانتقائية التي تتصادم احياناً مع بعضها.
لقد حقق ديكنز انجازات صحفية مدهشة في السنوات السبع عشرة التي يغطيها الجزء الثاني من يومياته،حيث الحجة المقنعة، والكشف عن البؤس، والوصف الحي، والابتكار في لغة الكتابة، ومن المدهش انه كتب، خلال هذه السنوات ثماني روايات وثلاثاً من قصص عيد الميلاد الشهيرة، وعدداً من المسرحيات واكثر من مائتي تقرير ومقالة وعرض، وما يكفي من الرسائل لاصدار خمسة مجلدات ضخمة, ولكن ديكنز، الناقد الاجتماعي والمصلح الليبرالي، كان بمعنى ما صحفياً طوال حياته، اذ لم تكن هناك سوى فترات قصيرة لم يحرر فيها مجلة او يسهم، بانتظام، في اخرى, وفي عام 1850م اصدر ديكنز مجلة كلمات عائلية التي حققت نجاحاً استثنائياً، وكانت وسيلة لتواصله المباشر مع قرائه من خلال كتاباته الصحفية الاسبوعية, وفضلاً عن ذلك كان ديكنز يلقي الخطابات في المآدب من اجل القضايا الخيرية، كما قام بزيارة فرنسا واميركا وايطاليا، وانجب تسعة من الاطفال، وبحلول نهاية هذه الفترة وصلت شهرته ذروتها، رغم ان بعضاً من اعظم ابداعاته الروائية جاءت في فترة لاحقة.
ويذكر كتاب سيرة تشارلز ديكنز انه في عام 1854 حدث اضراب في مدينة بريستون الصناعية بشمال انجلترا، فقطع ديكنز، بفضوله النهم المعروف، كل الطريق من لندن الى هناك ليرى ما الذي كان يجري وفي وقت لاحق كتب رواية عن ذلك الحدث سماها ازمنة صعبة ، وسمى المدينة كوكتاون كانت مدينة مكائن ومداخن طويلة تنتشر منها اعمدة دخان لا متناهية بخطوط افعوانية, كانت فيها قناة قذرة، ونهر يجري ماؤه بلون ارجواني، وبرائحة تبعث على الغثيان، واكوام هائلة من البنايات المليئة بالنوافذ حيث الضوضاء والقعقعة طيلة اليوم، وحيث مكبس الآلة البخارية يصعد ويهبط بحركة روتينية مثل رأس فيل في حالة كآبة وجنون .
وربما تكون هذه القطعة هي الاكثر شهرة في الادب الانجليزي حول تأثيرات الثورة الصناعية وتشويهها الانسان.
وتشارلز ديكنز قبل كل شيء كاتب عن حياة المدن التي تميز بفهمها من الداخل وكانت المدينة التي عرفها على افضل نحو، حيث عاش كل فترة صباه تقريباً، هي مدينة لندن, وكان ديكنز، نفسه، يشبه لندن القرن التاسع عشر، فقد كان يتمتع بحيوية استثنائية، ومخيلة هائلة، مشوشة ومهتزة احياناً وروايات ديكنز تشبه المدينة، ايضاً، فهي ضخمة، ومكتظة بكثير من الشخصيات الغريبة الاطوار: مجرمون، رجال شرطة، ايتام، مشردون، اناس يترنحون على حافة الافلاس، وهم يتشبثون بالكياسة البرجوازية, وتشبه مخيلة ديكنز، الى حد ما، ذلك الحصان الجامح الهارب في روايته الاولى اوراق بيكويك , فقد كتب اربع عشرة رواية، كانت روايات ضخمة، معظمها يزيد على ستمائة صفحة لكل واحدة منها، وحبكاتها تتحرك متدفقة، ومتجهة، احياناً، في منعطفات مفاجئة.
يرة ، ودومبي والابن ، حشد من الشخصيات التي تتسم بالمبالغة، وتشن، بهذا الشكل او ذاك، هجوماً مريراً على المجتمع الرأسمالي الذي كان يزدهر حينئذ، فكان ديكنز ناقداً لا يرحم لنواح كثيرة في المجتمع الفكتوري.
واخيراً فإن الشيء الذي يميز الفترة الاخيرة من حياته (1852-1870) هو تركيزه على الرواية الاجتماعية وتجديده في عدة مجالات ففي عام 1854 اصدر رواية بعنوان: الأزمنة الصعبة وفيها يدعو بكل كرم وسخاء الى تحسين وضع العمال المزري في المصانع واما روايته «دوريث الصغيرة» فتدين بعض مظاهر الظلم والقهر في المجتمع الانجليزي الرأسمالي الصاعد آنذاك انها تدين المضاربات المصرفية التي تؤدي الى الربح السريع دون بذل اي جهد يذكر كما وتدين سجن الناس بسبب الديون المتراكمة عليهم والتي يعجزون عن دفعها ونلاحظ هنا انه ينتقم لأبيه الذي سجن بسبب ذلك كما قلنا في بداية المقال ثم يدين البيروقراطية الانجليزية وعدم فعاليتها او قدرتها على حل مشاكل الناس.
وفي عام (1859) ينشر ديكنز «قصة مدينتين» اي قصة باريس ولندن وقد اعترف فيما بعد بأنه كتبها تحت تأثير الفيلسوف الانجليزي توماس كارلايل ومعلوم انه كان قد نشر كتاباً بعنوان: الثورة الفرنسية عام 1838. ويبدو ان كلتا المدينتين كانتا عزيزتين على قلب ديكنز ولكن معرفته بهما لم تكن متساوية فلندن اقرب اليه بكثير يضاف الى ذلك انه كان يخشى الثورة الفرنسية واعمال العنف التي حصلت في مرحلتها الثانية ولذلك فإن روايته كانت تهدف ضمنياً الى تحذير الانجليز من القيام بثورة كهذه.
توفي ديكنز في يونيو/ حزيران عام 1870م، وهو في عمر الثامنة والخمسين، مصاباً بارهاق شديد جراء جولة قراءة محمومة قام بها في اميركا الشمالية،
وكان في غمرة كتابة روايته البوليسية سر ادوين درود , وترك لنا ارثاً هائلاً عظيماً من الابداعات، الروائية خصوصاً، حيث عرفناه، نحن قراء العربية، من خلال هذه الروايات وبينها قصة مدينتين ، بشكل خاص، فضلاً عن اعمال اخرى مثل آمال كبار ، و ديفيد كوبر فيلد
قصة مدينتين.. سجل انجليزي لفقراء القرن التاسع عشر
ولد تشارلز ديكنز عام 1812 في مدينة بورتسماوث البريطانية، وقد عانى معاناة شديدة من الفقر اضطرته إلى العمل عندما كان عمره 12 سنة لتسديد ديون العائلة بعد أن أودع والده السجن بسبب تلك الديون. ولا شك في أن هذه الطفولة البائسة قد أثرت في شخصية ديكنز تأثيرا عميقاً، وأمدته بمادة خصبة لرواياته الشهيرة مثل «آمال عظيمة» و«أوليفر تويست» و«ديفيد كوبرفيلد». تعتبر قصص ديكنز المتعمقة في النقد الاجتماعي سجلاً متحمساً متعاطفاً مع محنة فقراء القرن التاسع عشر في إنجلترا. وقد تمتع ديكنز بشعبية كبيرة طيلة فترة حياته، من جهة كقاص مبدع في تصوير شخصياته، ومن جهة أخرى كونه نشر تلك الروايات على دفعات، مما أتاح إمكانية قراءتها لعدد أكبر من الناس.
يفتتح ديكنز «قصة مدينتين» بعبارة من أشهر عباراته على الإطلاق هي : «كان ذلك الزمن أفضل الأزمنة، وكان أسوأها» حيث يروي قصة تدور أحداثها في مدينتين هما لندن وباريس. في لندن نتعرف على لوسي مانيت، إبنة الطبيب الفرنسي ألكساندر مانيت، الذي كانت تحسبه ميتاً، ثم تفاجأ بأنه كان مسجونا في الباستيل، ولا تعلم بوجوده إلا بعد إطلاق سراحه، واجتماعه بها في لندن.
هنا يصور ديكنز شخصية الأب الذي أنهكته سنوات السجن الطويلة، حيث كان يعمل صانع أحذية خلال تلك الفترة، وهو يخرج أدواته بين الفينة والأخرى ويعود إلى تلك المهنة، كأنه ينسى واقعه الجديد. يتم استدعاء الأب وابنته للشهادة في قضية خيانة يتهم فيها تشارلز دارني، وهو شاب فرنسي لطيف تعجب به لوسي، ويبرأ من تهمته على يد محام شاب يشبهه إلى حد مذهل اسمه سيدني كارتن.
يبوح كارتن للوسي بحبه رغم علمه بأنه غير جدير بها، ويتمنى لها حياة سعيدة مع من تحب، ويعدها أن يقدم لها يوماً ما يثبت جدارته بحبها.
في باريس، يسجل ديكنز أحد مشاهده الأكثر تأثيرا في الذاكرة على الإطلاق، حيث يسقط في الشارع برميل خمر من عربة تحمله، وينكسر في الشارع، ويتدافع الناس لشربه قبل أن تمتصه الأرض، وفي هذه الأثناء يغمس أحدهم يده في الوحل النبيذي ويكتب على الحائط كلمة «دماء»، كأنه يتنبأ بما ستؤول إليه الأمور في فرنسا. في مشهد تالٍ، تدوس عربة الماركيز ايفرموند طفلا فتقتله، ثم يلقي هذا الماركيز إلى والد الطفل بقطعة نقدية كتعويض، إلا أن الأب يرفضها، ويتبع العربة إلى القصر. هنا، نجد أن هذا الشخص هو عم دارني، بطل القصة، والذي عندما يعلم بما حدث يعلن تبرؤه من إرث عائلته، ويقرر مغادرة القصر.
في اليوم التالي يتم العثور على الماركيز مقتولا، وإلى جانبه رسالة تحمل اسم جاك، وهو الاسم الذي كان الثوار يطلقونه على أنفسهم (حزب اليعاقبة). في اليوم التالي يتم إعدام والد الطفل، ويغادر دارني القصر عائدا إلى انجلترا، حيث يبوح بحبه للوسي، ويتقدم للزواج منها بعد أن يعدها بإخبار والدها بأصله، وعندما يفعل ذلك يوم زواجهما يفاجآن بعودة الأب إلى صنع الأحذية.
تأخذنا الأحداث مرة أخرى إلى باريس عام 1789 زمن الثورة الفرنسية، حين يتم القبض على شخص يدعى جابيل، وهو المسئول عن قصر آل ايفرموند، فيستنجد بتشارلز دارني لإنقاذه، ورغم علم هذا الأخير بخطورة ذهابه إلى فرنسا، إلا أنه يذهب لإنقاذ جابيل. في فرنسا، يتم القبض على تشارلز، ويودع السجن، ثم تذهب زوجته ووالدها إلى فرنسا لإنقاذه، ويستخدم والدها نفوذه مع الثوار حتى يحصل دارني على حريته.
هناك شخصية أخرى تأخذ دورها في الأحداث هنا، وهي مدام دوفارج، التي نراها سابقاً تجلس في محل زوجها وتحيك الصوف طوال الوقت، وترسم في نسيجها أسماء أعداء الثورة الذين تخطط لإعدامهم. هذه السيدة ستلعب دوراً في الأحداث فيما بعد. يعتقل تشارلز ثانية في نفس الليلة، ويحاكم، وأثناء محاكمته يقدم دورفارج وثيقة كتبها الدكتور مانيت بخط يده يوم كان في السجن، يحكي فيها عن ليلة جاء في طلبه الأخوين ايفرموند، وهما والد تشارلز وعمه، وأخذوه إلى بيتهما حيث كانت امرأة هناك تعاني سكرات الموت، ويعلم مانيت أن أحد الأخوين قد اغتصبها، وقتل أخاها.
تموت هذه المرأة في تلك الليلة، ويقوم الأخوان بالقبض على الطبيب وإيداعه السجن خوفا من أن يصبح شاهداً على أفعالهما، هذا السجن الذي يقضي فيه سنين طويلة، وهو يلعنهما في هذه الوثيقة، ويطلب الموت لهما حتى آخر سلالتهما.
نعلم هنا أن تلك المرأة هي أخت مدام ديفارج، وأن الشاب المقتول أخاها، وهي تأخذ على عاتقها مهمة تصفية آل ايفرموند حتى آخر سلالتهم، كما طلب مانيت في تلك الوثيقة التي أودعها جدار زنزانته، قبل أن يعلم بأن أحد أبنائهم سيصبح صهره، وأن حفيدته ستكون أيضا من تلك السلالة.
تحكم المحكمة بإعدام تشارلز دارني، ويقرر تنفيذ الحكم بحقه بعد يوم واحد. في هذه الأثناء يسمع سيدني كارتن عن مخطط لإعدام لوسي وابنتها كذلك، فيهربهما ويعيدهما إلى لندن.
في هذه الأثناء تشعر مدام ديفارج بأن هناك خطة للهرب، فتأتي إلى منزل لوسي محاولة وقفها، إلا أن خادمة لوسي تقوم باحتجازها ريثما يهربون، ويحصل بينهما عراك يؤدي إلى مقتل دوفارج بسلاحها الناري. يتوجه كارتن إلى السجن حيث يطلب زيارة دارني، ويقنعه بأن يتبادلا ثيابهما، ويكتب رسالة توضيحية، ثم يقوم بتخديره بمساعدة صديق له، ويسحب مساعده دارني خارج السجن، بينما يقبع كارتن هناك بانتظار إعدامه في اليوم التالي. تنتهي القصة بأن يتم تهريب دارني إلى لندن، بينما يعدم كارتن الذي قدم روحه فداء للمرأة التي يحب، حتى يكون جديراً بحبها كما وعدها ذات يوم، وهو مقتنع أنه يكتسب بتضحيته قيمة ومعنى لحياته.
في القصة الكثير من التفاصيل المدهشة، والشخصيات المرسومة بدقة، وهي ذات حبكة مثيرة مليئة بالمفاجآت، بالإضافة إلى أن ديكنز يستغلها لإيصال بعض قناعاته، كإمكانية الإحياء والتغيير الدائمة، التي تتجلى عندما يضحي كارتن بحياته. فهو من جهة يقدم حياة أفضل لغيره، ومن جهة أخرى يكتسب بعداً جديداً لحياته التي تكللت بهذه التضحية، فيموت قرير العين.
يطرح ديكنز أيضا أهمية التضحية، حيث يضحي الثوار بكل غال وثمين في سبيل الحرية التي يدركون صعوبتها، والثمن الضخم الذي سيدفعونه من دمائهم من أجلها.
كما يرى ديكنز أن الثورة تميل حتماً إلى القمع والعنف، فهو رغم دعمه للقضية التي استوجبت الثورة إلا أنه يشير إلى ما يرتكبه الثوار من شرور. ديكنز من جهة يدين قمع الفلاحين الذي كان يحدث، ومن جهة أخرى يدين طريقتهم في القضاء عليه، ومحاربة العنف بالعنف، حيث يتحول من كان يعاني من الاضطهاد إلى اضطهاد الآخرين بنفسه.
وديكنز يعتمد في القصة أسلوب الراوي، لكن الراوي يبقى مجهولاً، ويمكن ببساطة اعتباره أنه هو ديكنز نفسه. ويلاحظ باستمرار أن الراوي يسبغ عواطفه الجياشة بصورة واضحة على الشخصيات الطيبة، مثل كارتون، دارني، مانيت الأب والابنة. وفي المقابل، فهو ينتقد الشخصيات التي لا تثير غير الكراهية بسبب قسوتها، مثل مدام دوفارج، لكنه يحاول أن يجد لها عذراً مخففاً، ألا وهو القمع الذي كانت هي ضحية له.
ويستغل ديكنز شخصية الراوي - المجهولة - ليكشف لنا مقدار معرفته بتفاصيل الأحداث ورأيه فيها. فهو لا يكتفي بإماطة اللثام عن الأفكار والعواطف والدوافع التي تجيش في نفوس شخصيات القصة، ولكنه يسرد، بلسان الراوي وبقلم المؤرخ، مجريات الأحداث ويعلق عليها بثقة تامة.
وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن ديكنز قدم لنا صورة واقعية للصراع الطبقي، ولعل أكثر جوانبها إثارة هو الصراع الذي كان يعتمل في نفس دارني ويجعله في نهاية الأمر يقرر التخلي عن طبقته لما مارسته من قمع واضطهاد ضد عامة الناس وفقرائهم.
(1812-1870)
السيرة الذاتيه:
كاتب وروائي بريطاني، ولد في 7 فبراير سنة 1812 بدأ عمله المهني كمراسل صحفي في البرلمان، وكان يعتبر افضل كاتب للتقاريرالصحفية في زمنه،وكان ذلك يرتبط بمصادر معلوماته وحيويته في التقاط الاخبار، وقدرته على اختيار القصص التي تجتذب قراء الصحافة.
بدأت شهرته الأدبية بنشر انطباعاتهعن لندن في مجلات دورية، ثم نشر رواياته الطويلة "أوليفر تويست" سنة 1838، و"دافيد كوبر فيلد" سنة1850 و "أوراق بيكويك" سنة 1836، و "قصة مدينتين" سنة 1859، و"أوقات عصيبة" سنة 1870 وله أيضا الكثير من القصص القصيرة.
تميزت رواياته وقصصه بوصفهاالرقيق للشخصيات، وبعرضها الثري للحياة الاجتماعية في مختلف صورها، وبما فيها من نزعة عاطفية، وانتقاد للشرور الاجتماعية، مثل السجن من أجل الديون، ومماطلات القضاء، وسوء التعليم، وقد عجلت كتابات ديكنز بالإصلاح في ميادين كثيرة.
في عام 1850اصدر ديكنز مجلة (كلمات عائلية) التي حققت نجاحاً استثنائياً، وكانت وسيلة لتواصله المباشر مع قرائه من خلال كتاباته الصحفية الاسبوعية, كما كان ديكنز يلقي الخطابات في المآدب من اجل القضايا الخيرية، كما قام بزيارة فرنسا واميركا وايطاليا، وانجب تسعة من الاطفال، وبحلول نهاية هذه الفترة وصلت شهرته ذروتها، رغم ان بعضاً من اعظم ابداعاته الروائية جاءت في فترة لاحقة.
كتب ديكنز اربع عشرةرواية من الحجم الكبير فمعظمها يزيد على ستمائة صفحة لكل واحدة منها.
توفيديكنز في يونيو عام 1870م، وهو في عمر الثامنة والخمسين، مصاباً بارهاق شديد جراء جولة قراءة محمومة قام بها في اميركا الشمالية، وكان في غمرة كتابة روايته البوليسية (سير ادوين درود) وتوفى قبل ان يكملها, وترك لنا ارثاً هائلاً عظيماً من الابداعات، الروائية خصوصاً
تشارلز ديكنز
تصوير أعماق المدن والبشر
منذ سنوات تتواصل اعادة تحرير واصدار رسائل الروائي الانجليزي الشهير تشارلز ديكنز ويومياته الصحفية فقد صدر، مؤخراً، الجزء الثالث من يومياته التي حررها مايكل سلاتر، كما صدر الجزء العاشر من رسائله التي حررها غراهام ستوري وآخرون, وفي الموضوعات التي يعالجها الجزء الثالث من يومياته نجد نفس الطاقة التي بعثت الحياة في رواياته الرئيسية في تلك السنوات 1851-1859 ، وهي دوريت الصغيرة ، و المنزل الكئيب : الغضب تجاه الرياء واللامبالاة ببؤس الثقافة السياسية في العصر الفكتوري الوسيط، وهو ما سماه تشيسترتون الخنوع المعلن والدبلوماسية القذرة , ويتجسد رد فعل ديكنز المميز على ذلك في السخرية المشبعة بالحنق، حيث ينقب في مخيلته ليجلد التملق والنفاق المحيط به, وهذا هو الصوت السائد في هذا الجزء من اليوميات, غير ان هناك، الى جانبه، اصواتاً من حياة ديكنز البارعة المزاج والواسعة الخيال، حيث التذكر التفصيلي الرائع لتجربة الطفولة، والعزم على التعبير عن معاناة الفقراء والمهمشين, ويحتوي هذا الجزء من اليوميات، ايضاً، على ذكريات ديكنز الشخصية الاكثر كشفاً، ودفاعه العلني عن فنه، وتقديمه العون الهائل للقراء على معرفة دوافع وظروف كتابة عدد من روايات ديكنز وقصصه والشخصيات التي ظهرت فيها.
ومن المعروف ان ديكنز الذي ولد عام 1812، وبدأ عمله المهني كمراسل صحفي في البرلمان، كان يعتبر افضل كاتب للتقارير الصحفية في زمنه، ويتضح هذا في الجزء السابق، الثاني، من يومياته التي حررها مايكل سلاتر ايضاً, وربما كان تقدير النقاد لتميز ديكنز كصحفي يرتبط بمصادر معلوماته وحيويته في التقاط الاخبار، وقدرته على اختيار القصص التي تجتذب قراء الصحافة, ومن الطبيعي ان تساهم سمعته ككاتب وروائي في حماس الصحافة لنشر ما يحرره ويكتبه، وحماس القراء في متابعة ما ينشر له.
فعندما يقوم ديكنز بكتابة تحقيق تفصيلي عن ظاهرة او مؤسسة ما، تظهر طاقاته الاستثنائية في المعاينة والوصف نفسها على افضل نحو، ولا تتوقف عند حدود كتابة تقرير صحفي عن حدث مستقل, والمقالات الموجودة في الجزء الثاني من يوميات ديكنز، والتي تشمل الفترة من 1834-1851 حول مواضيع مختلفة بينها السجون، واجراءات البوليس السري، واصلاحيات الاحداث، وحضانات الاطفال، وكتاب عرائض الاسترحام، مقالات تتميز بالفعالية، والاعتدال، والحجة المقنعة، وتهتم بالمشاكل الاجتماعية التي يأمل من خلال معالجتها التأثير على الرأي العام.
ولم يكن ديكنز، كما اشير غالباً، يتمتع بموقف سياسي ثابت، بل بحماسات وكراهيات اكثر مما بآراء راسخة, وتتجلى اهتماماته الرئيسية التي مازال كثير منها يتسم بأهمية في التعليم، واللهو البريء، والسكن، وصحة الفقراء، ورعاية الاطفال، واصلاح السجون، وهو ما نجده في مقالات هذه المجموعة من اليوميات, وفي بعض الاحيان يبدو القارىء وهو يسمع تنافراً في نغمات الاصوات، عندما يربط مثلاً، في احدى مقالاته الصحفية الهامة، بين التقدم الاجتماعي ونجاحات التجارة والاستثمار الحر لرأس المال, ومما يثير المفارقة انه وصف باعتباره راديكالياً محافظاً ، اذ لم يكن هناك اطار سياسي يستوعب آراءه الانتقائية التي تتصادم احياناً مع بعضها.
لقد حقق ديكنز انجازات صحفية مدهشة في السنوات السبع عشرة التي يغطيها الجزء الثاني من يومياته،حيث الحجة المقنعة، والكشف عن البؤس، والوصف الحي، والابتكار في لغة الكتابة، ومن المدهش انه كتب، خلال هذه السنوات ثماني روايات وثلاثاً من قصص عيد الميلاد الشهيرة، وعدداً من المسرحيات واكثر من مائتي تقرير ومقالة وعرض، وما يكفي من الرسائل لاصدار خمسة مجلدات ضخمة, ولكن ديكنز، الناقد الاجتماعي والمصلح الليبرالي، كان بمعنى ما صحفياً طوال حياته، اذ لم تكن هناك سوى فترات قصيرة لم يحرر فيها مجلة او يسهم، بانتظام، في اخرى, وفي عام 1850م اصدر ديكنز مجلة كلمات عائلية التي حققت نجاحاً استثنائياً، وكانت وسيلة لتواصله المباشر مع قرائه من خلال كتاباته الصحفية الاسبوعية, وفضلاً عن ذلك كان ديكنز يلقي الخطابات في المآدب من اجل القضايا الخيرية، كما قام بزيارة فرنسا واميركا وايطاليا، وانجب تسعة من الاطفال، وبحلول نهاية هذه الفترة وصلت شهرته ذروتها، رغم ان بعضاً من اعظم ابداعاته الروائية جاءت في فترة لاحقة.
ويذكر كتاب سيرة تشارلز ديكنز انه في عام 1854 حدث اضراب في مدينة بريستون الصناعية بشمال انجلترا، فقطع ديكنز، بفضوله النهم المعروف، كل الطريق من لندن الى هناك ليرى ما الذي كان يجري وفي وقت لاحق كتب رواية عن ذلك الحدث سماها ازمنة صعبة ، وسمى المدينة كوكتاون كانت مدينة مكائن ومداخن طويلة تنتشر منها اعمدة دخان لا متناهية بخطوط افعوانية, كانت فيها قناة قذرة، ونهر يجري ماؤه بلون ارجواني، وبرائحة تبعث على الغثيان، واكوام هائلة من البنايات المليئة بالنوافذ حيث الضوضاء والقعقعة طيلة اليوم، وحيث مكبس الآلة البخارية يصعد ويهبط بحركة روتينية مثل رأس فيل في حالة كآبة وجنون .
وربما تكون هذه القطعة هي الاكثر شهرة في الادب الانجليزي حول تأثيرات الثورة الصناعية وتشويهها الانسان.
وتشارلز ديكنز قبل كل شيء كاتب عن حياة المدن التي تميز بفهمها من الداخل وكانت المدينة التي عرفها على افضل نحو، حيث عاش كل فترة صباه تقريباً، هي مدينة لندن, وكان ديكنز، نفسه، يشبه لندن القرن التاسع عشر، فقد كان يتمتع بحيوية استثنائية، ومخيلة هائلة، مشوشة ومهتزة احياناً وروايات ديكنز تشبه المدينة، ايضاً، فهي ضخمة، ومكتظة بكثير من الشخصيات الغريبة الاطوار: مجرمون، رجال شرطة، ايتام، مشردون، اناس يترنحون على حافة الافلاس، وهم يتشبثون بالكياسة البرجوازية, وتشبه مخيلة ديكنز، الى حد ما، ذلك الحصان الجامح الهارب في روايته الاولى اوراق بيكويك , فقد كتب اربع عشرة رواية، كانت روايات ضخمة، معظمها يزيد على ستمائة صفحة لكل واحدة منها، وحبكاتها تتحرك متدفقة، ومتجهة، احياناً، في منعطفات مفاجئة.
يرة ، ودومبي والابن ، حشد من الشخصيات التي تتسم بالمبالغة، وتشن، بهذا الشكل او ذاك، هجوماً مريراً على المجتمع الرأسمالي الذي كان يزدهر حينئذ، فكان ديكنز ناقداً لا يرحم لنواح كثيرة في المجتمع الفكتوري.
واخيراً فإن الشيء الذي يميز الفترة الاخيرة من حياته (1852-1870) هو تركيزه على الرواية الاجتماعية وتجديده في عدة مجالات ففي عام 1854 اصدر رواية بعنوان: الأزمنة الصعبة وفيها يدعو بكل كرم وسخاء الى تحسين وضع العمال المزري في المصانع واما روايته «دوريث الصغيرة» فتدين بعض مظاهر الظلم والقهر في المجتمع الانجليزي الرأسمالي الصاعد آنذاك انها تدين المضاربات المصرفية التي تؤدي الى الربح السريع دون بذل اي جهد يذكر كما وتدين سجن الناس بسبب الديون المتراكمة عليهم والتي يعجزون عن دفعها ونلاحظ هنا انه ينتقم لأبيه الذي سجن بسبب ذلك كما قلنا في بداية المقال ثم يدين البيروقراطية الانجليزية وعدم فعاليتها او قدرتها على حل مشاكل الناس.
وفي عام (1859) ينشر ديكنز «قصة مدينتين» اي قصة باريس ولندن وقد اعترف فيما بعد بأنه كتبها تحت تأثير الفيلسوف الانجليزي توماس كارلايل ومعلوم انه كان قد نشر كتاباً بعنوان: الثورة الفرنسية عام 1838. ويبدو ان كلتا المدينتين كانتا عزيزتين على قلب ديكنز ولكن معرفته بهما لم تكن متساوية فلندن اقرب اليه بكثير يضاف الى ذلك انه كان يخشى الثورة الفرنسية واعمال العنف التي حصلت في مرحلتها الثانية ولذلك فإن روايته كانت تهدف ضمنياً الى تحذير الانجليز من القيام بثورة كهذه.
توفي ديكنز في يونيو/ حزيران عام 1870م، وهو في عمر الثامنة والخمسين، مصاباً بارهاق شديد جراء جولة قراءة محمومة قام بها في اميركا الشمالية،
وكان في غمرة كتابة روايته البوليسية سر ادوين درود , وترك لنا ارثاً هائلاً عظيماً من الابداعات، الروائية خصوصاً، حيث عرفناه، نحن قراء العربية، من خلال هذه الروايات وبينها قصة مدينتين ، بشكل خاص، فضلاً عن اعمال اخرى مثل آمال كبار ، و ديفيد كوبر فيلد
قصة مدينتين.. سجل انجليزي لفقراء القرن التاسع عشر
ولد تشارلز ديكنز عام 1812 في مدينة بورتسماوث البريطانية، وقد عانى معاناة شديدة من الفقر اضطرته إلى العمل عندما كان عمره 12 سنة لتسديد ديون العائلة بعد أن أودع والده السجن بسبب تلك الديون. ولا شك في أن هذه الطفولة البائسة قد أثرت في شخصية ديكنز تأثيرا عميقاً، وأمدته بمادة خصبة لرواياته الشهيرة مثل «آمال عظيمة» و«أوليفر تويست» و«ديفيد كوبرفيلد». تعتبر قصص ديكنز المتعمقة في النقد الاجتماعي سجلاً متحمساً متعاطفاً مع محنة فقراء القرن التاسع عشر في إنجلترا. وقد تمتع ديكنز بشعبية كبيرة طيلة فترة حياته، من جهة كقاص مبدع في تصوير شخصياته، ومن جهة أخرى كونه نشر تلك الروايات على دفعات، مما أتاح إمكانية قراءتها لعدد أكبر من الناس.
يفتتح ديكنز «قصة مدينتين» بعبارة من أشهر عباراته على الإطلاق هي : «كان ذلك الزمن أفضل الأزمنة، وكان أسوأها» حيث يروي قصة تدور أحداثها في مدينتين هما لندن وباريس. في لندن نتعرف على لوسي مانيت، إبنة الطبيب الفرنسي ألكساندر مانيت، الذي كانت تحسبه ميتاً، ثم تفاجأ بأنه كان مسجونا في الباستيل، ولا تعلم بوجوده إلا بعد إطلاق سراحه، واجتماعه بها في لندن.
هنا يصور ديكنز شخصية الأب الذي أنهكته سنوات السجن الطويلة، حيث كان يعمل صانع أحذية خلال تلك الفترة، وهو يخرج أدواته بين الفينة والأخرى ويعود إلى تلك المهنة، كأنه ينسى واقعه الجديد. يتم استدعاء الأب وابنته للشهادة في قضية خيانة يتهم فيها تشارلز دارني، وهو شاب فرنسي لطيف تعجب به لوسي، ويبرأ من تهمته على يد محام شاب يشبهه إلى حد مذهل اسمه سيدني كارتن.
يبوح كارتن للوسي بحبه رغم علمه بأنه غير جدير بها، ويتمنى لها حياة سعيدة مع من تحب، ويعدها أن يقدم لها يوماً ما يثبت جدارته بحبها.
في باريس، يسجل ديكنز أحد مشاهده الأكثر تأثيرا في الذاكرة على الإطلاق، حيث يسقط في الشارع برميل خمر من عربة تحمله، وينكسر في الشارع، ويتدافع الناس لشربه قبل أن تمتصه الأرض، وفي هذه الأثناء يغمس أحدهم يده في الوحل النبيذي ويكتب على الحائط كلمة «دماء»، كأنه يتنبأ بما ستؤول إليه الأمور في فرنسا. في مشهد تالٍ، تدوس عربة الماركيز ايفرموند طفلا فتقتله، ثم يلقي هذا الماركيز إلى والد الطفل بقطعة نقدية كتعويض، إلا أن الأب يرفضها، ويتبع العربة إلى القصر. هنا، نجد أن هذا الشخص هو عم دارني، بطل القصة، والذي عندما يعلم بما حدث يعلن تبرؤه من إرث عائلته، ويقرر مغادرة القصر.
في اليوم التالي يتم العثور على الماركيز مقتولا، وإلى جانبه رسالة تحمل اسم جاك، وهو الاسم الذي كان الثوار يطلقونه على أنفسهم (حزب اليعاقبة). في اليوم التالي يتم إعدام والد الطفل، ويغادر دارني القصر عائدا إلى انجلترا، حيث يبوح بحبه للوسي، ويتقدم للزواج منها بعد أن يعدها بإخبار والدها بأصله، وعندما يفعل ذلك يوم زواجهما يفاجآن بعودة الأب إلى صنع الأحذية.
تأخذنا الأحداث مرة أخرى إلى باريس عام 1789 زمن الثورة الفرنسية، حين يتم القبض على شخص يدعى جابيل، وهو المسئول عن قصر آل ايفرموند، فيستنجد بتشارلز دارني لإنقاذه، ورغم علم هذا الأخير بخطورة ذهابه إلى فرنسا، إلا أنه يذهب لإنقاذ جابيل. في فرنسا، يتم القبض على تشارلز، ويودع السجن، ثم تذهب زوجته ووالدها إلى فرنسا لإنقاذه، ويستخدم والدها نفوذه مع الثوار حتى يحصل دارني على حريته.
هناك شخصية أخرى تأخذ دورها في الأحداث هنا، وهي مدام دوفارج، التي نراها سابقاً تجلس في محل زوجها وتحيك الصوف طوال الوقت، وترسم في نسيجها أسماء أعداء الثورة الذين تخطط لإعدامهم. هذه السيدة ستلعب دوراً في الأحداث فيما بعد. يعتقل تشارلز ثانية في نفس الليلة، ويحاكم، وأثناء محاكمته يقدم دورفارج وثيقة كتبها الدكتور مانيت بخط يده يوم كان في السجن، يحكي فيها عن ليلة جاء في طلبه الأخوين ايفرموند، وهما والد تشارلز وعمه، وأخذوه إلى بيتهما حيث كانت امرأة هناك تعاني سكرات الموت، ويعلم مانيت أن أحد الأخوين قد اغتصبها، وقتل أخاها.
تموت هذه المرأة في تلك الليلة، ويقوم الأخوان بالقبض على الطبيب وإيداعه السجن خوفا من أن يصبح شاهداً على أفعالهما، هذا السجن الذي يقضي فيه سنين طويلة، وهو يلعنهما في هذه الوثيقة، ويطلب الموت لهما حتى آخر سلالتهما.
نعلم هنا أن تلك المرأة هي أخت مدام ديفارج، وأن الشاب المقتول أخاها، وهي تأخذ على عاتقها مهمة تصفية آل ايفرموند حتى آخر سلالتهم، كما طلب مانيت في تلك الوثيقة التي أودعها جدار زنزانته، قبل أن يعلم بأن أحد أبنائهم سيصبح صهره، وأن حفيدته ستكون أيضا من تلك السلالة.
تحكم المحكمة بإعدام تشارلز دارني، ويقرر تنفيذ الحكم بحقه بعد يوم واحد. في هذه الأثناء يسمع سيدني كارتن عن مخطط لإعدام لوسي وابنتها كذلك، فيهربهما ويعيدهما إلى لندن.
في هذه الأثناء تشعر مدام ديفارج بأن هناك خطة للهرب، فتأتي إلى منزل لوسي محاولة وقفها، إلا أن خادمة لوسي تقوم باحتجازها ريثما يهربون، ويحصل بينهما عراك يؤدي إلى مقتل دوفارج بسلاحها الناري. يتوجه كارتن إلى السجن حيث يطلب زيارة دارني، ويقنعه بأن يتبادلا ثيابهما، ويكتب رسالة توضيحية، ثم يقوم بتخديره بمساعدة صديق له، ويسحب مساعده دارني خارج السجن، بينما يقبع كارتن هناك بانتظار إعدامه في اليوم التالي. تنتهي القصة بأن يتم تهريب دارني إلى لندن، بينما يعدم كارتن الذي قدم روحه فداء للمرأة التي يحب، حتى يكون جديراً بحبها كما وعدها ذات يوم، وهو مقتنع أنه يكتسب بتضحيته قيمة ومعنى لحياته.
في القصة الكثير من التفاصيل المدهشة، والشخصيات المرسومة بدقة، وهي ذات حبكة مثيرة مليئة بالمفاجآت، بالإضافة إلى أن ديكنز يستغلها لإيصال بعض قناعاته، كإمكانية الإحياء والتغيير الدائمة، التي تتجلى عندما يضحي كارتن بحياته. فهو من جهة يقدم حياة أفضل لغيره، ومن جهة أخرى يكتسب بعداً جديداً لحياته التي تكللت بهذه التضحية، فيموت قرير العين.
يطرح ديكنز أيضا أهمية التضحية، حيث يضحي الثوار بكل غال وثمين في سبيل الحرية التي يدركون صعوبتها، والثمن الضخم الذي سيدفعونه من دمائهم من أجلها.
كما يرى ديكنز أن الثورة تميل حتماً إلى القمع والعنف، فهو رغم دعمه للقضية التي استوجبت الثورة إلا أنه يشير إلى ما يرتكبه الثوار من شرور. ديكنز من جهة يدين قمع الفلاحين الذي كان يحدث، ومن جهة أخرى يدين طريقتهم في القضاء عليه، ومحاربة العنف بالعنف، حيث يتحول من كان يعاني من الاضطهاد إلى اضطهاد الآخرين بنفسه.
وديكنز يعتمد في القصة أسلوب الراوي، لكن الراوي يبقى مجهولاً، ويمكن ببساطة اعتباره أنه هو ديكنز نفسه. ويلاحظ باستمرار أن الراوي يسبغ عواطفه الجياشة بصورة واضحة على الشخصيات الطيبة، مثل كارتون، دارني، مانيت الأب والابنة. وفي المقابل، فهو ينتقد الشخصيات التي لا تثير غير الكراهية بسبب قسوتها، مثل مدام دوفارج، لكنه يحاول أن يجد لها عذراً مخففاً، ألا وهو القمع الذي كانت هي ضحية له.
ويستغل ديكنز شخصية الراوي - المجهولة - ليكشف لنا مقدار معرفته بتفاصيل الأحداث ورأيه فيها. فهو لا يكتفي بإماطة اللثام عن الأفكار والعواطف والدوافع التي تجيش في نفوس شخصيات القصة، ولكنه يسرد، بلسان الراوي وبقلم المؤرخ، مجريات الأحداث ويعلق عليها بثقة تامة.
وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن ديكنز قدم لنا صورة واقعية للصراع الطبقي، ولعل أكثر جوانبها إثارة هو الصراع الذي كان يعتمل في نفس دارني ويجعله في نهاية الأمر يقرر التخلي عن طبقته لما مارسته من قمع واضطهاد ضد عامة الناس وفقرائهم.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى