نهاية الفتنة
صفحة 1 من اصل 1
نهاية الفتنة
نهاية الفتنة
كان الجيش الخامس متجها إلى الشمال على رأسه خالد بن سعيد رضي الله عنه أحد قدامى الصحابة، وكان متجها لقبيلة قضاعة بالذات.
أما الجيش السادس فكان متجها إلى مشارف الشام، وعلى رأسه عمرو بن العاص رضى الله عنه.
ولم يلاق هذان الجيشان قتالًا يُذكر، وما وصلوا إلى الشام حتى فرت منهم القبائل, فعادوا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
الجيش السابع بقيادة العلاء بن الحضرمي
اتجه الجيش السابع إلى قبائل عبد القيس الموجودة في البحرين، وخاض حربًا هامة في التاريخ الإسلامي، وكان على رأسه العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، وهو من سادات وقدامى الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، وكان شديد التقوى والورع. وذهب بجيشه مسافة طويلة جدًا، واجتاز بجيشه صحراء موحشة، لم يكن يمر بها أحد حتى وصل إلى قبائل عبد القيس فعسكر هناك، قبل معسكر المرتدين في مكان يسمى هَجَر، وكانت كل القبائل في تلك المناطق قد ارتدت عن الإسلام وعلى رأسها قبيلة عبد القيس، وما ثبت على الإسلام إلا قرية صغيرة تسمى جواثى وكانت هذه القرية على مشارف الردة، فقام فيهم رجل من أشرافهم خطيبا، وهو الجارود بن يعلى، وكان ممن هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمعهم فقال لهم:
يا معشر عبد القيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتوه، ولا تجيبوني إن لم تعلموه.
فقالوا: سل.
قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟
قالوا: نعم.
قال: تعلمونه أم ترونه؟
قالوا: نعلمه.
قال: فما فعلوا؟
قالوا: ماتوا.
قال: فإن محمدا صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فقالوا: ونحن أيضا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنت أفضلنا.
وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.
وتعرضت هذه القرية الصغيرة بسبب ثباتها على الإسلام إلى الحصار الشديد من القبائل المرتدة المجاورة، وضيق عليهم المرتدون حتى منعوا عنهم الأقوات، وجاعوا جوعا شديدا حتى فرج الله عنهم.
ولهم في ذلك أشعار كثيرة:
ألا أبلغ أبا بكر رسولا وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام قعود في جواثا محصرينا
كأن دماءهم في كل فج شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمن إنا قـد وجدنـا الصبر للمتوكلينا
وهم في شدة حصارهم كان جيش العلاء بن الحضرمي قد عسكر في هجر، وأرسل الرسائل إلى القبائل المرتدة، وكانت أول رسالة إلى قبيلة تميم التي عادت إلى الإسلام، وخرج منها ألف مقاتل على رأسهم قيس بن عاصم، وهو من الصحابة رضي الله عنه وأرضاه وعسكر معه في هجر، وأتاه ثمامة بن أثال في ألف من بني حنيفة، واستطاع الجارود بن يعلى أن يتسلل من قريته جواثى بجيش بعد رسالة وصلته من العلاء بن الحضرمي ليعسكر معه بهجر، ويكسر الحصار المفروض عليه من القبائل المرتدة.
وبدأت المعارك تدور بين جيش المسلمين بقيادة العلاء بن الحضرمي، وبين المرتدين بقيادة النعمان بن المنذر، وكان يسمى الغرور، وهو ملك البحرين في ذلك الوقت.
واستمرت المعارك شهر كاملًا وخندق كل جيش حوله خندقًا، وفي ذات يوم سمع العلاء بن الحضرمي ضجة في معسكر المرتدين، فقال:
من يأتيني بخبر القوم؟
فقام إليه عبد الله بن حذف وهو من جواثى، فذهب فوجد القوم سكارى، فأبلغ العلاء بن الحضرمي بخبر القوم، فجهز الجيش في الليل، وباغتهم، وقتل فيهم مقتلة عظيمة، وأصبحوا بين مقتول وهارب وتذكر الروايات أنه قتل ما يقرب من العشرة آلاف من قبيلة عبد القيس، وفر بعضهم تجاه الشمال في الجزيرة العربية، والبعض الآخر فر عبر البحر إلى جزيرة دارين، البحرين حاليًا.
وفي ذلك الوقت بعث العلاء بن الحضرمي رسالة إلى المثنى بن حارثة الذي كان على رأس جيش للمسلمين إلى قبائل بكر بن وائل، وقال له في الرسالة كن مترصدًا للقوم فإنهم مرتدون. فتلقى المثنى بن حارثة كل من فر من أمام العلاء بن الحضرمي إلى الشمال، وأعمل فيهم القتل إلا من رجع إلى إسلامه.
لم يبقى أمام العلاء بن الحضرمي سوى من هرب إلى جزيرة دارين، وكان بينه وبينهم البحر، والمسافة تقطعها السفن في يوم وليلة ولم يكن مع العلاء بن الحضرمي في ذلك الوقت سفن ووقف جيش المسلمين أمام البحر، وقال العلاء بن الحضرمي:
والله لا نترك مرتدًا بعد أن أمرنا أبو بكر بقتالهم.
وعرض العلاء بن الحضرمي على جيشه أن يغزوا الماء بجيشهم, فاعترضوا في بادئ الأمر، إلا أنهم وافقوه لما رأوا إصراره، وركب الجيش البحر ووصلوا إلى دارين دون أن يفقد المسلمون مقاتلًا واحدًا.
وتذكر كل كتب التاريخ هذه الحادثة العجيبة دون الإشارة إلى كون ذلك كرامة امتن بها الله على جيش الإسلام، أو أن العبور تيسر لهم بعد أن هيَّأ الله لهم المد والجزر, فعبروا دون أن يُفقد منهم أي شيء، ومهما يكن من أمر فقد وصل الجيش إلى جزيرة دارين، ورأى الفارون المرتدون جموعَ المسلمين تخرج من البحر، فسقط في أيديهم, وأعمل المسلمون فيهم السيف, وقتلوا منهم مقتلة عظيمة في دارين، ثم عاد المسلمون منصورين في سفن المرتدين.
وتذكر بعض الروايات أن أحد المسلمين فقد درعه، فبحث عنه العلاء بن الحضرمي في البحر بنفسه، ولما حاول المسلمون أن يثنوه عن رغبته أصر على أن يبحث عن الدرع حتى وجده وذهب بنفسه ليعطيه لصاحبه.
وكان سهم الفارس في المعركة ستة آلاف درهم، وسهم الراجل ألفي درهم. وانتصر الجيش السابع، ونفَّذ ما كلفه به أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
الجيشان الثامن والتاسع والانتصار في مهرة
كانت عمان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي جاهليتها على رأسها اثنان أحدهما يدعى جيفر، والآخر عباد، وكانا أخويْن، ولما جاءت الوفود إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وفد من عمان وأسلم على يديه، وكلم الوفد الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر عمان، وأن على رأسها أخوين جيفر وعباد، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعباد فدعاهما إلى الإسلام فأسلما فأمَّرهما على عمان، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم دائمًا مع كل رئيس قبيلة إذا أسلم أن يؤمره على قومه أو قبيلته، ويحفظ له مكانته، وأسلمت كل عمان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم رجل يدعى لقيط بن مالك، وكان يلقب بذي التاج، وادعى هذا الرجل النبوة، ولم يشتهر ذكر هذا الرجل لقِصر أجله، واتبعه خلق كثير، وجهز جيشًا ليقاتل به جيفر وعباد، وكانا قد ثبتا على إسلامهما، واستطاعا أن يجمعا المسلمين، ويهربا من أمام جيش لقيط إلى ساحل البحر، واستولى لقيط على منطقة عمان كلها.
ولما علم أبو بكر بأمر لقيط بن مالك جهز له جيشين: أولهما هو الجيش الثامن الذي بعثه أبو بكر رضي الله عنه لقتال المرتدين، وكان بقيادة حذيفة بن محصن رضي الله عنه وأرضاه.
والجيش الآخر، وكان هو الجيش التاسع وكان بقيادة عرفجة بن هرثمة، وقد أمر أبو بكر رضي الله عنه الجيشين بأن يتحدا بقيادة حذيفة بن محصن، ولحق بهما عكرمة بن أبي جهل بعد أن هُزم أمام مسيلمة، وكان أبو بكر قد بعث إليه أن يلحق بعرفجة في اليمن، وعسكرت الجيوش في غرب عُمان في مكان يسمى دبا، وأرسل حذيفة رسالة إلى جيفر وعباد فرجعا بمن معهما من المسلمين إلى جيش حذيفة بن محصن وعسكروا مع المسلمين في دبا.
وجهز لقيط جيشه، وتقابل مع المسلمين في موقعة شرسة للغاية، وكانت القوة متكافئة وظل الفريقان في صراع إلى أن مَنّ الله على المسلمين بمدد من جيش العلاء بن الحضرمي، فرجحت كفة المسلمين، وكتب الله النصر للمسلمين، وقُتل لقيط بن مالك، وقتل معه عشرة آلاف مرتد في عمان، ودخل جيفر وأخوه عباد بجيشهما إلى عمان ليمتلكوا زمام الأمور.
أما جيوش المسلمين الثلاثة فانطلقت إلى مكان يسمى مهرة لقتال المرتدين هناك.
وكان أبو بكر قد جعل حذيفة أميرًا للجيوش في عمان ثم عرفجة في اليمن، وبعث إليهما عكرمةَ بن أبي جهل، وكان صاحب رأي ومشورة في الحرب، فبعث إليهما أبو بكر بأن يسمعا منه، ولما وصل الجيش إلى مهرة بعث أبو بكر برسالة يؤمر فيها عكرمة بن أبي جهل على الجيوش الثلاثة؛ ليحفظ له مكانته، ويقول له لا تعد إلى المدينة حتى أرى منك موقفًا.
وتوجه عكرمة إلى مهرة بعد أن تولى قيادة الجيوش الثلاثة لقتال المرتدين، وكان بهذه المنطقة كثير من القبائل المرتدة، وكان على رأس هذه القبائل اثنان يدعى أحدهما شخريط والآخر مصبح، وبعد ارتدادهما اختلفا فكل منهما يريد إمارة المرتدين، وانقسما وتقاتلا ووصل عكرمة، وعلم بأمرهما فراسل شخريط، وهدده بقوة المسلمين وأن معه من العداد ما لا يطيق ورغبه في الإسلام، فأسلم شخريط لما تيقن بقوة المسلمين، وأنهم سيحاربون معه ضد مصبح، وتسلل بجيشه وانضم إلى جيش عكرمة بن أبي جهل، ولا يُعرف إن كان إسلامه صادقًا أم لا، وقاتل المسلمون في هذه المعركة قتالًا شديدًا وصبروا، وكذلك مصبح ومن معه، فكانوا يقاتلون حمية من أجل وجود شخريط مع المسلمين، واستمر القتال حتى كتب الله النصر للمسلمين، ووقع مصبح قتيلًا في المعركة، وكتب الله النصر للمسلمين في هذه المعركة.
الجيشان العاشر والحادي عشر والتوجه إلى اليمن
بعد انتصار المسلمين في مهرة جمع عكرمة الجيش ليذهب به إلى اليمن.
وكان المتجه إلى اليمن جيشان من المدينة الجيش العاشر بقيادة المهاجر بن أمية، والجيش الحادي عشر بقيادة سويد بن مقرن، وكان سويد بن مقرن متجها إلى تهامة، أما المهاجر بن أمية فوجهه أبو بكر إلى صنعاء، وكان بها أغلب المرتدين.
وقبل الحديث عن الجيش العاشر نذكر نبذة عن تاريخ اليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ظهر في اليمن رجل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يدعي النبوة وهو الأسود العنسي واسمه عبهلة بن كعب، وتبع الأسود العنسي الكثير من المرتدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن بعد أن أسلم أهلها ليعلمهم ويفقههم، وكان أمير اليمن رجل يدعى شهر بن باذان.
وباذان هذا هو باذان بن بهرام الذي بعثه كسرى ليأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حيًا أوميتا، وذهب باذان هذا إلى المدينة، وعسكر بجبشه خارج المدينة وبعث أميرين إلى المدينة ليتحسسا الأخبار في المدينة، وكانا عاقلين فوجدهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما:
إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكُمَا اللَّيْلَةَ.
فقالا لباذان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لهما احفظا هذه الليلة، فبعث إلى كسرى فوجده، قد قتل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم باذان، ومن معه وولاه النبي صلى الله عليه وسلم اليمن، ولما مات ولى النبي صلى الله عليه وسلم من بعده ابنه شهر بن باذان.
وظهر الأسود العنسي في إمارة شهر بن باذان وكان معاذ بن جبل يعلم الناس في ذلك الوقت.
وقام الأسود العنسي بجيشه على شهر، وقتله، وتزوج امرأته، وكانت امرأة صالحة إلا أنه تزوجها قهرًا.
واضطهد الأسود العنسي المسلمين فكان يقتل كل من يعرف أنه مسلم، وهرب معاذ بن جبل إلى حضرموت، وانقسم من ثبت من المسلمين إلى قسمين البعض هرب مع معاذ إلى حضرموت، وكان واليها من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه طاهر بن أبي هالة، وكان من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بقي في اليمن عامل الأسود العنسي بالتقية.
واشتد أمر الأسود العنسي، وكان له جيش كبير، وكان له ثلاثة قادة أحدهما قيس بن مكشوح، والثاني داذويه، والثالث فيروز الديلمي.
ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الأسود العنسي وادعاءه للنبوة، بعث صلى الله عليه وسلم برسالة مع وبر بن يحنس إلى معاذ بن جبل؛ ليجمع حوله المسلمين، ويقاتلوا الأسود العنسي حتى يقتله.
وبدأ معاذ بن جبل في تجميع المسلمين سواء من أخفوا إسلامهم، أو من كانوا معه في حضرموت.
وفي ذلك الوقت فكر القواد الثلاثة المرتدين أن ينقلبوا على الأسود العنسي ليأخذوا منه قيادة اليمن، فعلم بذلك الأسود العنسي فأحضر مائة من الإبل وخط خطًا وجمع أهل صنعاء جميعًا وعزم على قتل الإبل بمفرده ليعلم أهل صنعاء قوته، وشدة بأسه، ثم أحضر القواد الثلاثة، وقال لهم سمعت بأنكم تريدون الاستقلال بالجيوش، فلما رأوا من شدة بأسه، وقوته خافوه وآمنوا بنبوته وإن كان في قلوبهم الانقلاب عليه.
ولما علم معاذ بن جبل بأمر القواد الثلاثة وتفكيرهم في الانقلاب على الأسود العنسي بعث معاذ برسالة إلى قيس بن مكشوح سرًا كالذي بعثها عكرمة إلى شخريط، فيقول له: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وجنود الطاهر بن أبي هالة في حضرموت لك مدد.
وأرسل قيس إلى داذويه، وفيروز الديلمي، واتفقوا على الدخول في الإسلام ليساعدهم جيش المسلمين في تحقيق هدفهم، وهو القضاء على الأسود وجيشه.
كانت امرأة شهر بن باذان التي تزوجها الأسود العنسي قهرًا امرأة صالحة وذات دين، وكانت ابنة عم فيروز الديلمي، فراسلها فيروز الديلمي سرًا لتعاونهم على قتل الأسود العنسي، فوافقت على ذلك وحددت لهم ليلة، وحددت لهم بابًا لا يقف عليه أحد من الحراس، وتسلل القواد الثلاثة إلى قصر الأسود العنسي في الليلة المتفق عليها، وفتحت امرأة الأسود الباب بعد أن سقته من الخمر، فدخل عليه فيروز الديلمي، فوجده قد سكر سكرًا شديدًا، فخنقه بيده حتى ظن أنه قد مات، ولما دخل عليه القواد الثلاثة ليعلنوا موته وجدوه حيًا، فهجموا عليه، وتقدم إليه قيس بن مكشوح، فذبحه، فتقول امرأته: ما رأيت خوار رجل كخوار الأسود العنسي.
وصرخ صرخة جاء على أثرها الحراس، فخرجت إليهم زوجته، وقالت: إن النبي يوحى إليه.
فخرجوا، ومضت تلك الليلة، وخبأ قيس بن مكشوح رأس الأسود العنسي، ثم خرج على أهل صنعاء في اليوم التالي بعد أن جمعهم ليعلن إسلامه، وإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن الأسود العنسي كذاب ورمى لهم برأسه، فهرب المرتدون، وانقض عليهم المسلمون يقتلونهم، وجاء الطاهر بن أبي هالة بجيشه، وفيه معاذ بن جبل، ودخل اليمن، وعاد الناس إلى الإسلام مرة أخرى، وأثناء هذه الأحداث يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة: يُقْتَلُ الْآنَ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ، وَيَقْتُلُهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ.
فقالوا: من يا رسول الله؟
فقال: فَيْرُوزُ فُيْرُوزُ فَيْرُوزُ.
وكان هو الذي سارع بقتله في بادئ الأمر، وشاركه قيس بن مكشوح.
وأنبأهم النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسود في الوقت الذي قتل فيه.
بعد قتل الأسود العنسي وسيطرة المسلمون على اليمن يرسل المسلمون رسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسود العنسي، ووصل البريد إلى المدينة صبيحة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع البريد إلى اليمن ليخبرهم بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت المسافة بين اليمن والمدينة مسيرة ثلاثة أيام.
فلما وصلهم خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا، فبعد دفاعهم عن الإسلام ارتدوا، وكان على رأس المرتدين قيس بن مكشوح، وبمكيدة منه قتل داذويه الأمير الثاني، وحاول قتل فيروز الديلمي، إلا أن جارية أخبرته بمكيدة قيس بن مكشوح، فهرب فيروز الديلمي، وهرب معاذ بن جبل أيضًا إلى حضرموت عند الطاهر بن أبي هالة.
وسيطر قيس بن مكشوح ومعه جيش المرتدين على المنطقة مرة أخرى، وعلم بذلك أبو بكر الصديق، فوجه إلي اليمن الجيش العاشر، وكان على رأسه المهاجر بن أمية، ولما علم المسلمون في حضرموت خبر هذا الجيش راسلوه وتواعدوا على موعد دخول اليمن، ودخل معهم من داخل صنعاء فيروز الديلمي بجيش، وفيروز لم يرتد كما ارتد قيس بن مكشوح، واجتمعت الجيوش الثلاثة، وقاتلوا قيس بن مكشوح قتالًا شديدًا، وكتب الله النصر للمسلمين، واستسلم قيس بن مكشوح، واستسلم معه عمرو بن معدي كرب، وكان من الصحابة إلا أنه قد ارتد في اليمن، وأرسلهما معاذ بن جبل إلى أبي بكر الصديق مع أحد الرسل، وفي الطريق أسلما قبل أن يصلا إلى المدينة، وقبل منهما أبو بكر بعد أن عنفهما بشدة.
وبعد هذا الانتصار الساحق سيطر المسلمون على اليمن ولم تعد إلى الردة مرة أخرى بفضل الله تعالى.
أما الجيش الحادي عشر لم يلق هذا الجيش قتالًا في منطقة تهامة بعد أن سيطر المسلمون على اليمن فقد رجع الناس إلى دينهم.
وانتهت هذه الفتنة
بذلك انتهت حروب الردة، وبفضل الله كتب الله النصر للمسلمين في كل المواقع، ولم يبق على الجزيرة العربية مرتد واحد بعد أن ارتدت كل الجزيرة العربية.
واستمرت هذه الحروب سنة كاملة، فقد انتهت الحروب في ربيع الأول من السنة الثانية عشرة من الهجرة.
وانتهت بانتهاء حروب الردة فترة من أشد الفترات التي مرت على المسلمين وأصعبها، وكاد أن يضيع الدين لولا أن الله قيض له رجلًا كأبي بكر الصديق، ولعل هذه الحروب كانت تثبيتا لأقدام الإسلام في الجزيرة العربية، ليستكمل المسلمون جهادهم في الدعوة إلى الله بفتح بلاد فارس والروم.
بعد انتهاء خالد من بني حنيفة، وانتصاره عليهم، بعث إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأن يتوجه لفتح فارس، وألا يُكْرِهَ أحدًا على الخروج معه، بالرغم من كون هذا الأمر عجيبًا؛ لأن الجزيرة لم تلتقط أنفاسها بعد، في أعقاب ما كانت تموج به من الفتن, وما قامت بها من حرب أهلية طاحنة، كادت أن تعصف بالدولة الإسلامية.
كان الجيش الخامس متجها إلى الشمال على رأسه خالد بن سعيد رضي الله عنه أحد قدامى الصحابة، وكان متجها لقبيلة قضاعة بالذات.
أما الجيش السادس فكان متجها إلى مشارف الشام، وعلى رأسه عمرو بن العاص رضى الله عنه.
ولم يلاق هذان الجيشان قتالًا يُذكر، وما وصلوا إلى الشام حتى فرت منهم القبائل, فعادوا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
الجيش السابع بقيادة العلاء بن الحضرمي
اتجه الجيش السابع إلى قبائل عبد القيس الموجودة في البحرين، وخاض حربًا هامة في التاريخ الإسلامي، وكان على رأسه العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، وهو من سادات وقدامى الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، وكان شديد التقوى والورع. وذهب بجيشه مسافة طويلة جدًا، واجتاز بجيشه صحراء موحشة، لم يكن يمر بها أحد حتى وصل إلى قبائل عبد القيس فعسكر هناك، قبل معسكر المرتدين في مكان يسمى هَجَر، وكانت كل القبائل في تلك المناطق قد ارتدت عن الإسلام وعلى رأسها قبيلة عبد القيس، وما ثبت على الإسلام إلا قرية صغيرة تسمى جواثى وكانت هذه القرية على مشارف الردة، فقام فيهم رجل من أشرافهم خطيبا، وهو الجارود بن يعلى، وكان ممن هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمعهم فقال لهم:
يا معشر عبد القيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتوه، ولا تجيبوني إن لم تعلموه.
فقالوا: سل.
قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟
قالوا: نعم.
قال: تعلمونه أم ترونه؟
قالوا: نعلمه.
قال: فما فعلوا؟
قالوا: ماتوا.
قال: فإن محمدا صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فقالوا: ونحن أيضا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنت أفضلنا.
وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.
وتعرضت هذه القرية الصغيرة بسبب ثباتها على الإسلام إلى الحصار الشديد من القبائل المرتدة المجاورة، وضيق عليهم المرتدون حتى منعوا عنهم الأقوات، وجاعوا جوعا شديدا حتى فرج الله عنهم.
ولهم في ذلك أشعار كثيرة:
ألا أبلغ أبا بكر رسولا وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام قعود في جواثا محصرينا
كأن دماءهم في كل فج شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمن إنا قـد وجدنـا الصبر للمتوكلينا
وهم في شدة حصارهم كان جيش العلاء بن الحضرمي قد عسكر في هجر، وأرسل الرسائل إلى القبائل المرتدة، وكانت أول رسالة إلى قبيلة تميم التي عادت إلى الإسلام، وخرج منها ألف مقاتل على رأسهم قيس بن عاصم، وهو من الصحابة رضي الله عنه وأرضاه وعسكر معه في هجر، وأتاه ثمامة بن أثال في ألف من بني حنيفة، واستطاع الجارود بن يعلى أن يتسلل من قريته جواثى بجيش بعد رسالة وصلته من العلاء بن الحضرمي ليعسكر معه بهجر، ويكسر الحصار المفروض عليه من القبائل المرتدة.
وبدأت المعارك تدور بين جيش المسلمين بقيادة العلاء بن الحضرمي، وبين المرتدين بقيادة النعمان بن المنذر، وكان يسمى الغرور، وهو ملك البحرين في ذلك الوقت.
واستمرت المعارك شهر كاملًا وخندق كل جيش حوله خندقًا، وفي ذات يوم سمع العلاء بن الحضرمي ضجة في معسكر المرتدين، فقال:
من يأتيني بخبر القوم؟
فقام إليه عبد الله بن حذف وهو من جواثى، فذهب فوجد القوم سكارى، فأبلغ العلاء بن الحضرمي بخبر القوم، فجهز الجيش في الليل، وباغتهم، وقتل فيهم مقتلة عظيمة، وأصبحوا بين مقتول وهارب وتذكر الروايات أنه قتل ما يقرب من العشرة آلاف من قبيلة عبد القيس، وفر بعضهم تجاه الشمال في الجزيرة العربية، والبعض الآخر فر عبر البحر إلى جزيرة دارين، البحرين حاليًا.
وفي ذلك الوقت بعث العلاء بن الحضرمي رسالة إلى المثنى بن حارثة الذي كان على رأس جيش للمسلمين إلى قبائل بكر بن وائل، وقال له في الرسالة كن مترصدًا للقوم فإنهم مرتدون. فتلقى المثنى بن حارثة كل من فر من أمام العلاء بن الحضرمي إلى الشمال، وأعمل فيهم القتل إلا من رجع إلى إسلامه.
لم يبقى أمام العلاء بن الحضرمي سوى من هرب إلى جزيرة دارين، وكان بينه وبينهم البحر، والمسافة تقطعها السفن في يوم وليلة ولم يكن مع العلاء بن الحضرمي في ذلك الوقت سفن ووقف جيش المسلمين أمام البحر، وقال العلاء بن الحضرمي:
والله لا نترك مرتدًا بعد أن أمرنا أبو بكر بقتالهم.
وعرض العلاء بن الحضرمي على جيشه أن يغزوا الماء بجيشهم, فاعترضوا في بادئ الأمر، إلا أنهم وافقوه لما رأوا إصراره، وركب الجيش البحر ووصلوا إلى دارين دون أن يفقد المسلمون مقاتلًا واحدًا.
وتذكر كل كتب التاريخ هذه الحادثة العجيبة دون الإشارة إلى كون ذلك كرامة امتن بها الله على جيش الإسلام، أو أن العبور تيسر لهم بعد أن هيَّأ الله لهم المد والجزر, فعبروا دون أن يُفقد منهم أي شيء، ومهما يكن من أمر فقد وصل الجيش إلى جزيرة دارين، ورأى الفارون المرتدون جموعَ المسلمين تخرج من البحر، فسقط في أيديهم, وأعمل المسلمون فيهم السيف, وقتلوا منهم مقتلة عظيمة في دارين، ثم عاد المسلمون منصورين في سفن المرتدين.
وتذكر بعض الروايات أن أحد المسلمين فقد درعه، فبحث عنه العلاء بن الحضرمي في البحر بنفسه، ولما حاول المسلمون أن يثنوه عن رغبته أصر على أن يبحث عن الدرع حتى وجده وذهب بنفسه ليعطيه لصاحبه.
وكان سهم الفارس في المعركة ستة آلاف درهم، وسهم الراجل ألفي درهم. وانتصر الجيش السابع، ونفَّذ ما كلفه به أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
الجيشان الثامن والتاسع والانتصار في مهرة
كانت عمان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي جاهليتها على رأسها اثنان أحدهما يدعى جيفر، والآخر عباد، وكانا أخويْن، ولما جاءت الوفود إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وفد من عمان وأسلم على يديه، وكلم الوفد الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر عمان، وأن على رأسها أخوين جيفر وعباد، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعباد فدعاهما إلى الإسلام فأسلما فأمَّرهما على عمان، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم دائمًا مع كل رئيس قبيلة إذا أسلم أن يؤمره على قومه أو قبيلته، ويحفظ له مكانته، وأسلمت كل عمان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم رجل يدعى لقيط بن مالك، وكان يلقب بذي التاج، وادعى هذا الرجل النبوة، ولم يشتهر ذكر هذا الرجل لقِصر أجله، واتبعه خلق كثير، وجهز جيشًا ليقاتل به جيفر وعباد، وكانا قد ثبتا على إسلامهما، واستطاعا أن يجمعا المسلمين، ويهربا من أمام جيش لقيط إلى ساحل البحر، واستولى لقيط على منطقة عمان كلها.
ولما علم أبو بكر بأمر لقيط بن مالك جهز له جيشين: أولهما هو الجيش الثامن الذي بعثه أبو بكر رضي الله عنه لقتال المرتدين، وكان بقيادة حذيفة بن محصن رضي الله عنه وأرضاه.
والجيش الآخر، وكان هو الجيش التاسع وكان بقيادة عرفجة بن هرثمة، وقد أمر أبو بكر رضي الله عنه الجيشين بأن يتحدا بقيادة حذيفة بن محصن، ولحق بهما عكرمة بن أبي جهل بعد أن هُزم أمام مسيلمة، وكان أبو بكر قد بعث إليه أن يلحق بعرفجة في اليمن، وعسكرت الجيوش في غرب عُمان في مكان يسمى دبا، وأرسل حذيفة رسالة إلى جيفر وعباد فرجعا بمن معهما من المسلمين إلى جيش حذيفة بن محصن وعسكروا مع المسلمين في دبا.
وجهز لقيط جيشه، وتقابل مع المسلمين في موقعة شرسة للغاية، وكانت القوة متكافئة وظل الفريقان في صراع إلى أن مَنّ الله على المسلمين بمدد من جيش العلاء بن الحضرمي، فرجحت كفة المسلمين، وكتب الله النصر للمسلمين، وقُتل لقيط بن مالك، وقتل معه عشرة آلاف مرتد في عمان، ودخل جيفر وأخوه عباد بجيشهما إلى عمان ليمتلكوا زمام الأمور.
أما جيوش المسلمين الثلاثة فانطلقت إلى مكان يسمى مهرة لقتال المرتدين هناك.
وكان أبو بكر قد جعل حذيفة أميرًا للجيوش في عمان ثم عرفجة في اليمن، وبعث إليهما عكرمةَ بن أبي جهل، وكان صاحب رأي ومشورة في الحرب، فبعث إليهما أبو بكر بأن يسمعا منه، ولما وصل الجيش إلى مهرة بعث أبو بكر برسالة يؤمر فيها عكرمة بن أبي جهل على الجيوش الثلاثة؛ ليحفظ له مكانته، ويقول له لا تعد إلى المدينة حتى أرى منك موقفًا.
وتوجه عكرمة إلى مهرة بعد أن تولى قيادة الجيوش الثلاثة لقتال المرتدين، وكان بهذه المنطقة كثير من القبائل المرتدة، وكان على رأس هذه القبائل اثنان يدعى أحدهما شخريط والآخر مصبح، وبعد ارتدادهما اختلفا فكل منهما يريد إمارة المرتدين، وانقسما وتقاتلا ووصل عكرمة، وعلم بأمرهما فراسل شخريط، وهدده بقوة المسلمين وأن معه من العداد ما لا يطيق ورغبه في الإسلام، فأسلم شخريط لما تيقن بقوة المسلمين، وأنهم سيحاربون معه ضد مصبح، وتسلل بجيشه وانضم إلى جيش عكرمة بن أبي جهل، ولا يُعرف إن كان إسلامه صادقًا أم لا، وقاتل المسلمون في هذه المعركة قتالًا شديدًا وصبروا، وكذلك مصبح ومن معه، فكانوا يقاتلون حمية من أجل وجود شخريط مع المسلمين، واستمر القتال حتى كتب الله النصر للمسلمين، ووقع مصبح قتيلًا في المعركة، وكتب الله النصر للمسلمين في هذه المعركة.
الجيشان العاشر والحادي عشر والتوجه إلى اليمن
بعد انتصار المسلمين في مهرة جمع عكرمة الجيش ليذهب به إلى اليمن.
وكان المتجه إلى اليمن جيشان من المدينة الجيش العاشر بقيادة المهاجر بن أمية، والجيش الحادي عشر بقيادة سويد بن مقرن، وكان سويد بن مقرن متجها إلى تهامة، أما المهاجر بن أمية فوجهه أبو بكر إلى صنعاء، وكان بها أغلب المرتدين.
وقبل الحديث عن الجيش العاشر نذكر نبذة عن تاريخ اليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ظهر في اليمن رجل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يدعي النبوة وهو الأسود العنسي واسمه عبهلة بن كعب، وتبع الأسود العنسي الكثير من المرتدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن بعد أن أسلم أهلها ليعلمهم ويفقههم، وكان أمير اليمن رجل يدعى شهر بن باذان.
وباذان هذا هو باذان بن بهرام الذي بعثه كسرى ليأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حيًا أوميتا، وذهب باذان هذا إلى المدينة، وعسكر بجبشه خارج المدينة وبعث أميرين إلى المدينة ليتحسسا الأخبار في المدينة، وكانا عاقلين فوجدهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما:
إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكُمَا اللَّيْلَةَ.
فقالا لباذان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لهما احفظا هذه الليلة، فبعث إلى كسرى فوجده، قد قتل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم باذان، ومن معه وولاه النبي صلى الله عليه وسلم اليمن، ولما مات ولى النبي صلى الله عليه وسلم من بعده ابنه شهر بن باذان.
وظهر الأسود العنسي في إمارة شهر بن باذان وكان معاذ بن جبل يعلم الناس في ذلك الوقت.
وقام الأسود العنسي بجيشه على شهر، وقتله، وتزوج امرأته، وكانت امرأة صالحة إلا أنه تزوجها قهرًا.
واضطهد الأسود العنسي المسلمين فكان يقتل كل من يعرف أنه مسلم، وهرب معاذ بن جبل إلى حضرموت، وانقسم من ثبت من المسلمين إلى قسمين البعض هرب مع معاذ إلى حضرموت، وكان واليها من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه طاهر بن أبي هالة، وكان من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بقي في اليمن عامل الأسود العنسي بالتقية.
واشتد أمر الأسود العنسي، وكان له جيش كبير، وكان له ثلاثة قادة أحدهما قيس بن مكشوح، والثاني داذويه، والثالث فيروز الديلمي.
ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الأسود العنسي وادعاءه للنبوة، بعث صلى الله عليه وسلم برسالة مع وبر بن يحنس إلى معاذ بن جبل؛ ليجمع حوله المسلمين، ويقاتلوا الأسود العنسي حتى يقتله.
وبدأ معاذ بن جبل في تجميع المسلمين سواء من أخفوا إسلامهم، أو من كانوا معه في حضرموت.
وفي ذلك الوقت فكر القواد الثلاثة المرتدين أن ينقلبوا على الأسود العنسي ليأخذوا منه قيادة اليمن، فعلم بذلك الأسود العنسي فأحضر مائة من الإبل وخط خطًا وجمع أهل صنعاء جميعًا وعزم على قتل الإبل بمفرده ليعلم أهل صنعاء قوته، وشدة بأسه، ثم أحضر القواد الثلاثة، وقال لهم سمعت بأنكم تريدون الاستقلال بالجيوش، فلما رأوا من شدة بأسه، وقوته خافوه وآمنوا بنبوته وإن كان في قلوبهم الانقلاب عليه.
ولما علم معاذ بن جبل بأمر القواد الثلاثة وتفكيرهم في الانقلاب على الأسود العنسي بعث معاذ برسالة إلى قيس بن مكشوح سرًا كالذي بعثها عكرمة إلى شخريط، فيقول له: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وجنود الطاهر بن أبي هالة في حضرموت لك مدد.
وأرسل قيس إلى داذويه، وفيروز الديلمي، واتفقوا على الدخول في الإسلام ليساعدهم جيش المسلمين في تحقيق هدفهم، وهو القضاء على الأسود وجيشه.
كانت امرأة شهر بن باذان التي تزوجها الأسود العنسي قهرًا امرأة صالحة وذات دين، وكانت ابنة عم فيروز الديلمي، فراسلها فيروز الديلمي سرًا لتعاونهم على قتل الأسود العنسي، فوافقت على ذلك وحددت لهم ليلة، وحددت لهم بابًا لا يقف عليه أحد من الحراس، وتسلل القواد الثلاثة إلى قصر الأسود العنسي في الليلة المتفق عليها، وفتحت امرأة الأسود الباب بعد أن سقته من الخمر، فدخل عليه فيروز الديلمي، فوجده قد سكر سكرًا شديدًا، فخنقه بيده حتى ظن أنه قد مات، ولما دخل عليه القواد الثلاثة ليعلنوا موته وجدوه حيًا، فهجموا عليه، وتقدم إليه قيس بن مكشوح، فذبحه، فتقول امرأته: ما رأيت خوار رجل كخوار الأسود العنسي.
وصرخ صرخة جاء على أثرها الحراس، فخرجت إليهم زوجته، وقالت: إن النبي يوحى إليه.
فخرجوا، ومضت تلك الليلة، وخبأ قيس بن مكشوح رأس الأسود العنسي، ثم خرج على أهل صنعاء في اليوم التالي بعد أن جمعهم ليعلن إسلامه، وإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن الأسود العنسي كذاب ورمى لهم برأسه، فهرب المرتدون، وانقض عليهم المسلمون يقتلونهم، وجاء الطاهر بن أبي هالة بجيشه، وفيه معاذ بن جبل، ودخل اليمن، وعاد الناس إلى الإسلام مرة أخرى، وأثناء هذه الأحداث يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة: يُقْتَلُ الْآنَ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ، وَيَقْتُلُهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ.
فقالوا: من يا رسول الله؟
فقال: فَيْرُوزُ فُيْرُوزُ فَيْرُوزُ.
وكان هو الذي سارع بقتله في بادئ الأمر، وشاركه قيس بن مكشوح.
وأنبأهم النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسود في الوقت الذي قتل فيه.
بعد قتل الأسود العنسي وسيطرة المسلمون على اليمن يرسل المسلمون رسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسود العنسي، ووصل البريد إلى المدينة صبيحة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع البريد إلى اليمن ليخبرهم بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت المسافة بين اليمن والمدينة مسيرة ثلاثة أيام.
فلما وصلهم خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا، فبعد دفاعهم عن الإسلام ارتدوا، وكان على رأس المرتدين قيس بن مكشوح، وبمكيدة منه قتل داذويه الأمير الثاني، وحاول قتل فيروز الديلمي، إلا أن جارية أخبرته بمكيدة قيس بن مكشوح، فهرب فيروز الديلمي، وهرب معاذ بن جبل أيضًا إلى حضرموت عند الطاهر بن أبي هالة.
وسيطر قيس بن مكشوح ومعه جيش المرتدين على المنطقة مرة أخرى، وعلم بذلك أبو بكر الصديق، فوجه إلي اليمن الجيش العاشر، وكان على رأسه المهاجر بن أمية، ولما علم المسلمون في حضرموت خبر هذا الجيش راسلوه وتواعدوا على موعد دخول اليمن، ودخل معهم من داخل صنعاء فيروز الديلمي بجيش، وفيروز لم يرتد كما ارتد قيس بن مكشوح، واجتمعت الجيوش الثلاثة، وقاتلوا قيس بن مكشوح قتالًا شديدًا، وكتب الله النصر للمسلمين، واستسلم قيس بن مكشوح، واستسلم معه عمرو بن معدي كرب، وكان من الصحابة إلا أنه قد ارتد في اليمن، وأرسلهما معاذ بن جبل إلى أبي بكر الصديق مع أحد الرسل، وفي الطريق أسلما قبل أن يصلا إلى المدينة، وقبل منهما أبو بكر بعد أن عنفهما بشدة.
وبعد هذا الانتصار الساحق سيطر المسلمون على اليمن ولم تعد إلى الردة مرة أخرى بفضل الله تعالى.
أما الجيش الحادي عشر لم يلق هذا الجيش قتالًا في منطقة تهامة بعد أن سيطر المسلمون على اليمن فقد رجع الناس إلى دينهم.
وانتهت هذه الفتنة
بذلك انتهت حروب الردة، وبفضل الله كتب الله النصر للمسلمين في كل المواقع، ولم يبق على الجزيرة العربية مرتد واحد بعد أن ارتدت كل الجزيرة العربية.
واستمرت هذه الحروب سنة كاملة، فقد انتهت الحروب في ربيع الأول من السنة الثانية عشرة من الهجرة.
وانتهت بانتهاء حروب الردة فترة من أشد الفترات التي مرت على المسلمين وأصعبها، وكاد أن يضيع الدين لولا أن الله قيض له رجلًا كأبي بكر الصديق، ولعل هذه الحروب كانت تثبيتا لأقدام الإسلام في الجزيرة العربية، ليستكمل المسلمون جهادهم في الدعوة إلى الله بفتح بلاد فارس والروم.
بعد انتهاء خالد من بني حنيفة، وانتصاره عليهم، بعث إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأن يتوجه لفتح فارس، وألا يُكْرِهَ أحدًا على الخروج معه، بالرغم من كون هذا الأمر عجيبًا؛ لأن الجزيرة لم تلتقط أنفاسها بعد، في أعقاب ما كانت تموج به من الفتن, وما قامت بها من حرب أهلية طاحنة، كادت أن تعصف بالدولة الإسلامية.
مواضيع مماثلة
» قصة الفتنة
» قصة المدينة
» نهاية مسيرة راؤول مع ريال!!!!!!!
» نهاية العالم , د. نبيل فاروق
» كتاب (( الفتنة بين الصحابة )) لاستخراج الحق من بين ركام الباطل لشيخنا الفاضل / محمد حسان
» قصة المدينة
» نهاية مسيرة راؤول مع ريال!!!!!!!
» نهاية العالم , د. نبيل فاروق
» كتاب (( الفتنة بين الصحابة )) لاستخراج الحق من بين ركام الباطل لشيخنا الفاضل / محمد حسان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى