الحياء من الإيمان
صفحة 1 من اصل 1
الحياء من الإيمان
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لقد دعا الإسلام إلى أخلاق فاضلة ، وآداب سامية ، تسمو بالإنسان وتُزكِّي روحه .. ومن جملة هذه الأخلاق : خلق الحياء .
والحياء مُشتق من الحياة وهو أعز ما فيها وعلى حسب حياة القلب، يكون فيه قوة خُلُق الحياء وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم
والحياء يدعو الإنسان إلى فعل الخير، ويصرفه عن الشر، ومن هنا كان الحياء كله خيرًا وبركة ونفعًا لصاحبه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم(الحياء لا يأتي إلا بخير) [متفق عليه]، وقال: (الحياء كله خير(مسلم
وقد جاء في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم( الإيمان بضع وسبعون شعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)
وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين( الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)
والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كل منهما داع إلى الخير مُقربمنه صارف عن الشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير فيشكره. ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة
و حياء الإنسان منه ما هو فطري، ومنه ما هو مكتسب
و حياء العبودية والخوف والخشية من الله عز وجل هو الحياءالمكتسب من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، واطلاعه عليهم،وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان،بل هو من أعلى درجات الإحسان. كما في الحديث( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
والحياء صفة من صفات الله رب العالمين ، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه بذلك فقال (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين ) سنن أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه ،
والفرق بين صفاتنا وصفاته كالفرق بين ذاتنا وذاته قال تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) سورة الشورى : 11
و حياء الرب من عبده حياء كرم وبر وجود وجلال
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه ( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )صحيح مسلم، دليل على اتصاف الملائكة به
وهو خلق الأنبياء قال أبو سعيد رضي الله عنه ينعت نبينا صلى الله عليه وسلم : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها".(( أخرجه الشيخان))
وللحياء فضائل عديدة فمن ذلك :
أنه خيرٌ كلُّه
فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحياء لا يأتي إلا بخير )) ((أخرجاه في الصحيحين ))
وقال : ((الحياء كله خير )) ((صحيح مسلم ))
وهو من الأخلاق التي يحبها الله
قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنَّ الله حيي سِتِّير يحب الستر والحياء )) ((سنن أبي داود والنسائي )).
والحياء من الإيمان ، وكلما ازداد منه صاحبه ازداد إيمانه
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين )).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين))
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللهالنبي صلى الله عليه وسلم "الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"رواه الحاكم وصححه الألباني
وهو خلق الإسلام
قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنَّ لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام الحياء )موطأ مالك ، وسنن ابن ماجه
والحياء يحمل على الاستقامة على الطاعة ، وعلى ترك المعصية ونبذ طريقها
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت)) ((صحيح البخاري ))
وإنَّ من أعظم فضائله أنه يفضي بأصحابه إلى جنة عرضها السماوات والأرض
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار)) ((الترمذي))
والبذاء ضد الحياء ، فهو جرأة في فُحشٍ ، والجفاء ضد البر .
_____________________
قال الماوردي– رحمه الله-
" اعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه:
أحدها : حياؤه من الله تعالى .
والثاني : حياؤه من الناس .
والثالث : حياؤه من نفسه .
فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره
وأما حياؤه من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح
وأما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات
فمتى كمل حياء الإنسان من وجوهه الثلاثة ، فقد كملت فيه أسباب الخير، وانتفت عنه أسباب الشر ، وصار بالفضل مشهوراً ، وبالجميل مذكوراً
أدب الدنيا والدين (308).
فالمسلم يتأدب مع الله -سبحانه- ويستحيي منه لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه يسمعه ويراه، وقد قال الله -تعالى- عن الذين يفعلون المعاصي دون حياء منه سبحانه: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله}النساء: 108
و قال الله تعالى( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) العلق:14
و قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استحيوامن الله حق الحياء)، فقالوا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال )ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وَعَى،والبطن وما حَوَى، ولْتذْكر الموت والْبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينةالحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء) الترمذي وأحمد
فالحياء من الله يكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي.
وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يـراني
والمسلم يستحي من النبي صلى الله عليه وسلم، فيلتزم بسنته، ويحافظ على ما جاء به من تعاليم سمحة،ويتمسك بها.
أما حياء المسلم من الملائكة فقال بعض السلف: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم.
قال الله تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10- 12].
قال ابن القيم رحمه الله:[ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟! ]
و المسلم يستحي من الناس، فلا يُقَصِّر فيحق وجب لهم عليه، ولا ينكر معروفًا صنعوه معه، ولا يخاطبهم بسوء، ولا يكشف عورته أمامهم
فقد قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله،عوراتنا ما نأتي منها وما نَذَرُ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتكَ إلا من زوجتكَ أو ما ملكت يمينكَ).
فقال: يا رسول الله، إذا كانالقوم بعضهم في بعض؟ فقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن استطعتَ ألا يَرَيَنَّها أحد فلا يرينَّها)،
قال: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليا ليس معه أحد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فالله أحق أن يُسْتَحيامنه من الناس) [أبو داود].
ومن حياء المسلم أن يغض بصره عن الحرام، وعن كل منظر مؤذٍ، مما يقتضي غض البصر، ومن الحياء أن تلتزم الفتاة المسلمة في ملابسها بالحجاب الشرعي،وأن تجعل الحياء عنوانًا لها وسلوكًا يدلُّ على طهرها وعفتها
وحياءالمؤمن يجعله لا يعرف الكلام الفاحش، ولا التصرفات البذيئة، ولا الغلظةولا الجفاء،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار) [الترمذي والحاكم].
و عن حياء المسلم من نفسه يكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.
فإنه من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره
فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.
قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر
الفرق بين الخجل والحياء
الحياء: خلق جميل يبعث على فعل المحمود وترك المذموم، وهو خير كله
لكن إذا كان شيء يؤدي إلى ترك تعلم الدين والأحكام الفقهية التي يحتاج إليها الإنسان أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا مر به الإنسان فهذا لا يسمى حياءً وإنما هو خجل مذموم
فخلق الحياء في المسلم غير مانع له من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمربمعروف أو ينهى عن منكر.
فإذا منع العبد عن فعل ذلك باعث داخلي فليس هوحياء وإنما هو ضعف إيمانه وجبنه عن قول الحق( وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) الأحزاب:53
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه إلا أنه لم يكن يسكت عن قول الحق بل كان يغضب غضباً شديداً إذا انتهكت محارم الله..
وقد مدحت عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار بقولها :" رحم الله نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ". ((صحيح مسلم))
كيفية التخلق بالحياء
1- كونه أمراً فطرياً فيجب تنميته من النشأة.
2- استحضار عظمة الله, و التفكر في أسمائه و صفاته التي من معانيها مراقبة العبد ورؤيته له واطلاعه على أحواله ، كأسمائه تعالى : الشهيد ، والرقيب ، والعليم ، والبصير
.
قال ابن القيم – رحمه الله - : العبد متى علِم أنَّ الرب تعالى ناظر إليه : أورثه هذا العلم حياءً منه يجذبه إلىاحتمال أعباء الطاعة . مدارج السالكين " ( 2 / 264 )
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :وقد قال بعض السلف : خفِ الله على قدْر قُدرته عليك ، واستحي منه على قدْر قُربه منك . فتح الباري " ( 1 / 75 )
3- مجالسة حسني الأخلاق, والاستفادة من سير المتخلقين بالحياء.
4- تقوية الإيمان بالله تعالى ، فكلما قوي إيمانك ازداد حياؤك .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ) .رواه البخاري ( 24 ) ومسلم ( 36 )
5- استشعار نِعَم الله تعالى الجليلة عليك ، فمن شأن التفكر في تلك النعَم أن يولِّد حياء من الله عظيماً
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :وقد يتولد الحياء مِن الله مِن مطالعة النِّعَم ، فيستحيي العبدُ مِن الله أن يستعين بنعمته على معاصيه ، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان . فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 51 ) .
6- استشعار مراقبة أحدٍ من النَّاس ممن ترين فيهم الصلاح والتقوى عند فعل أي شيء يخدش الحياء أو يناقضه
عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي ، قَالَ ( أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " 741
7- تذكر القبر واليوم الآخر والحشر والصراط ،وتذكر النار, وأن من موجبات دخولها الفحش وعدم الحياء.
فإن المسلم إذا علم أن حاله سيصير إلى ربه تعالى فيحاسبه ربه تعالى على ما فعل في دنياه : منعه ذلك من اقتراف السيئات ،ودفعه إلى تحقيق خلق الحياء من ربِّه تعالى
.
8- مجاهدة النفس وإلزامها بترك كل ما يخالف الحياء ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب من الأقوال والأفعال ، ومعاندة الشيطان الذي يجر النفس إلى مثل هذه البذاءات ، ويزينها له .
رزقنا الله وإياكم كمال الحياء والخشية وختم لنا ولكم بخير..
نفعنا الله وإياكم وهدانا جميعا لما يحبه ويرضاه
منقول بتصرف من
1- ما هو الحياء وما حقيقته؟
2- الحياء
3- الحياء..خلق الإسلام
4- الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ
5- الحياء .. أعظم أخلاق الإسلام
6- خلق الحياء
7- الحياء للشيخ محمد المنجد
8- نزع الحياء بنزع الإيمان للشيخ صالح بن فوزان الفوزان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لقد دعا الإسلام إلى أخلاق فاضلة ، وآداب سامية ، تسمو بالإنسان وتُزكِّي روحه .. ومن جملة هذه الأخلاق : خلق الحياء .
والحياء مُشتق من الحياة وهو أعز ما فيها وعلى حسب حياة القلب، يكون فيه قوة خُلُق الحياء وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم
والحياء يدعو الإنسان إلى فعل الخير، ويصرفه عن الشر، ومن هنا كان الحياء كله خيرًا وبركة ونفعًا لصاحبه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم(الحياء لا يأتي إلا بخير) [متفق عليه]، وقال: (الحياء كله خير(مسلم
وقد جاء في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم( الإيمان بضع وسبعون شعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)
وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين( الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)
والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كل منهما داع إلى الخير مُقربمنه صارف عن الشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير فيشكره. ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة
و حياء الإنسان منه ما هو فطري، ومنه ما هو مكتسب
و حياء العبودية والخوف والخشية من الله عز وجل هو الحياءالمكتسب من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، واطلاعه عليهم،وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان،بل هو من أعلى درجات الإحسان. كما في الحديث( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
والحياء صفة من صفات الله رب العالمين ، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه بذلك فقال (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين ) سنن أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه ،
والفرق بين صفاتنا وصفاته كالفرق بين ذاتنا وذاته قال تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) سورة الشورى : 11
و حياء الرب من عبده حياء كرم وبر وجود وجلال
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه ( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )صحيح مسلم، دليل على اتصاف الملائكة به
وهو خلق الأنبياء قال أبو سعيد رضي الله عنه ينعت نبينا صلى الله عليه وسلم : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها".(( أخرجه الشيخان))
وللحياء فضائل عديدة فمن ذلك :
أنه خيرٌ كلُّه
فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحياء لا يأتي إلا بخير )) ((أخرجاه في الصحيحين ))
وقال : ((الحياء كله خير )) ((صحيح مسلم ))
وهو من الأخلاق التي يحبها الله
قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنَّ الله حيي سِتِّير يحب الستر والحياء )) ((سنن أبي داود والنسائي )).
والحياء من الإيمان ، وكلما ازداد منه صاحبه ازداد إيمانه
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين )).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين))
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللهالنبي صلى الله عليه وسلم "الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"رواه الحاكم وصححه الألباني
وهو خلق الإسلام
قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنَّ لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام الحياء )موطأ مالك ، وسنن ابن ماجه
والحياء يحمل على الاستقامة على الطاعة ، وعلى ترك المعصية ونبذ طريقها
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت)) ((صحيح البخاري ))
وإنَّ من أعظم فضائله أنه يفضي بأصحابه إلى جنة عرضها السماوات والأرض
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار)) ((الترمذي))
والبذاء ضد الحياء ، فهو جرأة في فُحشٍ ، والجفاء ضد البر .
_____________________
قال الماوردي– رحمه الله-
" اعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه:
أحدها : حياؤه من الله تعالى .
والثاني : حياؤه من الناس .
والثالث : حياؤه من نفسه .
فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره
وأما حياؤه من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح
وأما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات
فمتى كمل حياء الإنسان من وجوهه الثلاثة ، فقد كملت فيه أسباب الخير، وانتفت عنه أسباب الشر ، وصار بالفضل مشهوراً ، وبالجميل مذكوراً
أدب الدنيا والدين (308).
فالمسلم يتأدب مع الله -سبحانه- ويستحيي منه لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه يسمعه ويراه، وقد قال الله -تعالى- عن الذين يفعلون المعاصي دون حياء منه سبحانه: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله}النساء: 108
و قال الله تعالى( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) العلق:14
و قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استحيوامن الله حق الحياء)، فقالوا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال )ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وَعَى،والبطن وما حَوَى، ولْتذْكر الموت والْبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينةالحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء) الترمذي وأحمد
فالحياء من الله يكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي.
وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يـراني
والمسلم يستحي من النبي صلى الله عليه وسلم، فيلتزم بسنته، ويحافظ على ما جاء به من تعاليم سمحة،ويتمسك بها.
أما حياء المسلم من الملائكة فقال بعض السلف: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم.
قال الله تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10- 12].
قال ابن القيم رحمه الله:[ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟! ]
و المسلم يستحي من الناس، فلا يُقَصِّر فيحق وجب لهم عليه، ولا ينكر معروفًا صنعوه معه، ولا يخاطبهم بسوء، ولا يكشف عورته أمامهم
فقد قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله،عوراتنا ما نأتي منها وما نَذَرُ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتكَ إلا من زوجتكَ أو ما ملكت يمينكَ).
فقال: يا رسول الله، إذا كانالقوم بعضهم في بعض؟ فقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن استطعتَ ألا يَرَيَنَّها أحد فلا يرينَّها)،
قال: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليا ليس معه أحد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فالله أحق أن يُسْتَحيامنه من الناس) [أبو داود].
ومن حياء المسلم أن يغض بصره عن الحرام، وعن كل منظر مؤذٍ، مما يقتضي غض البصر، ومن الحياء أن تلتزم الفتاة المسلمة في ملابسها بالحجاب الشرعي،وأن تجعل الحياء عنوانًا لها وسلوكًا يدلُّ على طهرها وعفتها
وحياءالمؤمن يجعله لا يعرف الكلام الفاحش، ولا التصرفات البذيئة، ولا الغلظةولا الجفاء،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار) [الترمذي والحاكم].
و عن حياء المسلم من نفسه يكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.
فإنه من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره
فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.
قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر
الفرق بين الخجل والحياء
الحياء: خلق جميل يبعث على فعل المحمود وترك المذموم، وهو خير كله
لكن إذا كان شيء يؤدي إلى ترك تعلم الدين والأحكام الفقهية التي يحتاج إليها الإنسان أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا مر به الإنسان فهذا لا يسمى حياءً وإنما هو خجل مذموم
فخلق الحياء في المسلم غير مانع له من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمربمعروف أو ينهى عن منكر.
فإذا منع العبد عن فعل ذلك باعث داخلي فليس هوحياء وإنما هو ضعف إيمانه وجبنه عن قول الحق( وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) الأحزاب:53
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه إلا أنه لم يكن يسكت عن قول الحق بل كان يغضب غضباً شديداً إذا انتهكت محارم الله..
وقد مدحت عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار بقولها :" رحم الله نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ". ((صحيح مسلم))
كيفية التخلق بالحياء
1- كونه أمراً فطرياً فيجب تنميته من النشأة.
2- استحضار عظمة الله, و التفكر في أسمائه و صفاته التي من معانيها مراقبة العبد ورؤيته له واطلاعه على أحواله ، كأسمائه تعالى : الشهيد ، والرقيب ، والعليم ، والبصير
.
قال ابن القيم – رحمه الله - : العبد متى علِم أنَّ الرب تعالى ناظر إليه : أورثه هذا العلم حياءً منه يجذبه إلىاحتمال أعباء الطاعة . مدارج السالكين " ( 2 / 264 )
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :وقد قال بعض السلف : خفِ الله على قدْر قُدرته عليك ، واستحي منه على قدْر قُربه منك . فتح الباري " ( 1 / 75 )
3- مجالسة حسني الأخلاق, والاستفادة من سير المتخلقين بالحياء.
4- تقوية الإيمان بالله تعالى ، فكلما قوي إيمانك ازداد حياؤك .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ) .رواه البخاري ( 24 ) ومسلم ( 36 )
5- استشعار نِعَم الله تعالى الجليلة عليك ، فمن شأن التفكر في تلك النعَم أن يولِّد حياء من الله عظيماً
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :وقد يتولد الحياء مِن الله مِن مطالعة النِّعَم ، فيستحيي العبدُ مِن الله أن يستعين بنعمته على معاصيه ، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان . فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 51 ) .
6- استشعار مراقبة أحدٍ من النَّاس ممن ترين فيهم الصلاح والتقوى عند فعل أي شيء يخدش الحياء أو يناقضه
عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي ، قَالَ ( أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " 741
7- تذكر القبر واليوم الآخر والحشر والصراط ،وتذكر النار, وأن من موجبات دخولها الفحش وعدم الحياء.
فإن المسلم إذا علم أن حاله سيصير إلى ربه تعالى فيحاسبه ربه تعالى على ما فعل في دنياه : منعه ذلك من اقتراف السيئات ،ودفعه إلى تحقيق خلق الحياء من ربِّه تعالى
.
8- مجاهدة النفس وإلزامها بترك كل ما يخالف الحياء ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب من الأقوال والأفعال ، ومعاندة الشيطان الذي يجر النفس إلى مثل هذه البذاءات ، ويزينها له .
رزقنا الله وإياكم كمال الحياء والخشية وختم لنا ولكم بخير..
نفعنا الله وإياكم وهدانا جميعا لما يحبه ويرضاه
منقول بتصرف من
1- ما هو الحياء وما حقيقته؟
2- الحياء
3- الحياء..خلق الإسلام
4- الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ
5- الحياء .. أعظم أخلاق الإسلام
6- خلق الحياء
7- الحياء للشيخ محمد المنجد
8- نزع الحياء بنزع الإيمان للشيخ صالح بن فوزان الفوزان
دكتور أشرف- مــراقــب قـسـم
- عدد المشاركات : 291
البلد : ....
تاريخ التسجيل : 29/03/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى